الإبادة من الهنود الحمر إلى غزّة
د . هاني عاشور
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . هاني عاشور

ما زال مسلسل الإبادة قائما في عقلية الغرب وامريكا على وجه الخصوص، وعلى الرغم من استنكار العالم له، إلا أنه ما زال يسجل تاريخ الزعماء الامريكان قبل قرون ليست بعيدة من الزمن، وربما يعدّها بعض السياسيين الامريكان للآن بأنها كانت انتصارا كبيرا لصناعة أمريكا حديثة تقود العالم، وربما تقود إلى إبادات اخرى أو تشجعها كم يحصل الآن ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
في القرن الخامس عشر وكما تسطّر كتب التاريخ غير البعيد، فإن ما بين 40- 90 مليون انسان كانوا يعيشون في امريكا وكندا وهم سكانها الاصليون وفي بقية نواحي الامريكيتين، قبل ان يتوجه الغرب اليهم بسكاكينه وحرابه ليفتك بهم في اكبر ابادة جماعية لم يعرفها تاريخ البشرية منذ نشوئه.
ويوما بعد يوم منذ دخول الغرب بدأ يتناقص عدد الأمريكيين الأصليين، بالقتل أو بطرق اخرى من بينها نشر الأوبئة والتجويع، ويعتقد بعض الدارسين أن أمراض العالم القديم التي جلبها الأوروبيون لأمريكا تسببت في وفاة ما بين 90 بالمئة و95 بالمئة من السكان الأصليين، ويقدر أن الاجتياح المتكرر بالإنفلونزا والحصبة والجدري أدى إلى تناقص ما قدر بنصف إلى ثلثي السكان الأصليين لشرق أمريكا الشمالية في ظرف قرن من الغزو الأوروبي للمنطقة، وقد قدر أن الجدري تسبب في فناء 90 بالمئة من السكان الأصليين.
ويبلغ عدد الأمريكيين الأصليين الآن نحو 4 ملايين نسمة، يمثّلون فقط 1.5 بالمئة من إجمالي تعداد السكان في الولايات المتحدة، ويعيشون في مناطق خاصة بهم ابرز سماتها التخلف والامية وشظف العيش والمعاناة والفقر والمرض، وكذلك الحال بالنسبة لمن بقي من السكان الاصليين في كندا، وقد َأرْغَمت حكومة الولايات المتحدة هذه القبائل على الانتقال والعيش في تلك المناطق قبل أكثر من قرن من الزمان كما اخذت تنشر في هذه المناطق المعزولة المخدرات والكحول، وما زالت حالات الانتحار والأمراض منتشرة على نطاق واسع هناك ولا تلقى عناية من الحكومات الامريكية، وتشير تقارير امريكية من مراكز متخصصة أن نسبة الحاصلين على شهادات جامعية بين السكان الأصليين 11 بالمئة، وأن 50 بالمئة منهم لا يتمتعون ببرامج الحكومة، كالضمان الصحي أو التعليمي أو الخدمات العامة.
هذا المشهد الذي عاشه العالم قبل نحو أربعة قرون واستمر حتى الان، يتكرر اليوم كمشهد بداية مكررة تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وتسانده بدعم تسليحي ومالي الولايات المتحدة الامريكية وبعض دول الغرب التي لم تتحدث حتى الان عن وقف للإبادة الجماعية، بل تكثر الحديث وتكرره عن اسرى الجيش الاسرائيلي لدى حماس، وكأنهم هم العالم الامريكي الغربي الحديث الذي يستحق أن يُباد لأجله اكثر مليوني فلسطيني بالقتل والتجويع ونشر الامراض ومنع ايصال المساعدات، وهو ذات السيناريو الذي حدث قبل قرون ضد سكان امريكا الاصليين أو ما يسمونهم الهنود الحمر.
ان جريمة الابادة الجماعية في غزة كما حددتها ووصفتها المحكمة الجنائية الدولية، إنما هي امتداد للابادة التي جرت في امريكا قبل قرون قليلة، وما زالت صفحاتها تتكرر بذات الاساليب ويعدها المجرمون انتصارا وصناعة عالم أو دولة حديثة كبرى كما يصفها نتنياهو بـ (اسرائيل الكبرى) التي تقوم على قتل وابادة الشعوب.
طبعا لا يستنكر السياسيون الامريكيون السابقون الابادة الماضية، ولم يعتذر الغرب عنها، حتى كانت قد انتجت قبل عقود من الزمن تمييزا عنصريا واضحا في الغرب، استطاعت بعض الاحزاب المتنورة أن تضع حدودا له، ولكن هذا التمييز بقي في نفوس كثيرين حتى الان ونراه اليوم ضد الفلسطينيين.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat