العيْن أُمُّ القلْب – أَيهُما الأصْدق
د . محمد خضير الانباري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . محمد خضير الانباري

منْ أفضلِ المجاملاتِ التي تجدها في حديثِ بعضِ الأشخاص، خاصةً في تنفيذِ بعضِ الطلبات، أوْ الوعودِ بإنجازِ عملِ له، أوْ التضامنِ معَ الآخرين، بالعبارات الجميلة؛ المتمثلة، بالقول: (تدللُ عيوني ) ، أوْ ( قلبي معاك) في التضامنِ والمؤازرةِ والتشجيع. استقرَ العرفُ الكلاميُ للإنسانِ في أهمَ جزئيينِ منْ جسمِ الإنسان، وعدهما، أثمنهما وأقدسهما في المجاملة، للمقابل، اعتزازا به، وتكريما لهُ . إذ؛ ترمزُ العينُ بمفهومها العام، إلى الرؤيةِ والوضوحِ والحكم، وقدْ تعكسُ صدقَ النياتِ أوْ كذبها لدىْ المتحدثِ منْ خلالِ نظراتِ العينِ وما يحملُ في قلبهِ منْ معاناةٍ أوْ فرح، بينما يمثلُ القلب، المشاعرُ والانفعالاتُ ، وصدقها أوْ زيفها، فهوَ مسكنُ العاطفةِ والشعور، يحركَ الشخصُ لاتخاذِ قراراتهِ بناءً على الإحساسِ والانفعالات، أما في الحبِ، فيرمزُ إلى العاطفةِ والرومانسية، وهذا ما تلاحظه، في زيادةِ نبضاتِ القلبِ عندَ التقربِ منْ الحبيبِ فهوَ مركزُ العواطفِ والمشاعر، والمسؤولٌ عنْ الحبِ والكراهيةِ والفرحِ والحزن. يعتمدَ القلبُ على الحدسِ والإلهام، ويسعى إلى إيجادِ المعنى والجمالِ في الحياة.
عندَ إبرازِ المقارنة بين العين والقلب ، في أيهما الأصدق، يبدو الأمرُ، يميل نحو العين، فلا يصدق الشخص، حتى يرى، وفي نفسِ الوقت، ليسَ كلُ ما يراه، يستحقَ التصديق، فقد تخدعنا العينَ أحياناً، لذلك، لا يمكنُ تفضيلَ أحدهما على الآخر، في مسألةِ الصدق، لأنَ الصدق، لهُ معانٍ كبيرةٌ عند الإنسان، فهو ، يتجسدَ في التوازنِ ما بينَ العينِ والقلب، فكلٌ منهما لهُ دورهِ وأهميتهِ في تكوينِ شخصيةٍ صادقةٍ للأشخاص.
لقد، قيلَ في الأمثالِ الشعبيةِ " العينِ تصدقُ نفسها " والقلبَ يدركُ ما لا يدركُ البصرُ "، فأيُ ، القولينِ أحقُ بالصدق، مصدق عينيه، أمٌ مدركٍ ما حولهُ بقلبه.
أما في قرآننا الكريم، فقدْ جاءتْ مفردةَ العينِ بمواضعِ عدة، منها، في قولهِ تعالى: " الذينَ كانتْ أعينهمْ في غطاءٍ عنْ ذكرى". وكذلك، في قولهِ تعالى: " وهوَ الذي خلقَ لكمْ السمعُ والأبصارُ والأفئدةُ قليلاً ما تشكرونَ "، مما يدلُ على أهميةِ البصرِ كنعمةٍ عظيمةٍ منْ نعمَ الله.
في حينِ وردتْ مفردةَ القلبِ آيت عدة، ومنها، في قولهِ تعالى: ( أنْ في ذلكَ لذكرى لمنْ كانَ لهُ قلبٌ أوْ ألقى السمعُ وهوَ شهيدٌ ) ، وقولهُ تعالى: " ختمَ اللهُ على قلوبهمْ وعلى سمعهمْ وعلى أبصارهمْ غشاوةً ولهمْ عذابٌ عظيمٌ ".
في أدبنا العربي، فللعيون صورا جميلة، كما في قول الشاعر يشير إلى صدق المشاعر من خلال العيون: فالبيت التالي، ينسب الى الإمام علي بن أبي طالب (ع) :
"جهلت عيون الناس ما في داخلي، فوجدت ربي بالفؤاد بصيرا"
ويشير الشاعر أحمد شوقي إلى قدرة العيون على التعبير عن المشاعر بالقول:
"وتعطلت لغة الكلام وخاطبت... عيني في جفوتي نظراتها"
أما القلب، فقد امتلأت كتبنا ودواوين الشعر، بالأبيات الشعرية التي تتغنى بالقلب ، كما في قول الشاعر:" دعني أحبك كما يراك قلبي أعشقك بقدر ما تحتاج إليك روحي"
" الحب كالوطن وأنا اخترت قلبك وطني دعني أحبك واكن بطريقتي "
ورائعة فنانتنا الكبيرة، أم كلثوم: ( القلب يعشق كل جميل وياما شفت جمال ياعين ) ، للشاعر محمود بيرم التونسي، والملحن رياض السنباطي .
من كل ما تقدم؛ نرى، أن، الصدق هو نتاج تفاعل متوازن بين العين والقلب، حيث تعمل العين كمركز للمشاهدة والرؤيا الحقيقية، بينما يمثل القلب، منبعاً للمشاعر الصادقة. لذا، فإن الصدق الحقيقي، يكمن في تكاملهما، وتحقيق الانسجام بينهما...
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat