العراق يفتح الأبواب... بينما تغلقها الدول الكبرى والانظمة الاقليمية ؟!
رياض سعد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
رياض سعد

أمريكا تغلق الأبواب باسم السيادة!
في الوقت الذي تتخذ فيه الإدارة الأمريكية، برئاسة الرئيس دونالد ترامب، سلسلة من القرارات والإجراءات الصارمة ضد الهجرة والعمالة الأجنبية واللاجئين , وتشنّ حربًا بلا هوادة ضد الغرباء والاجانب ... ؛ نجد أن العراق يسير في الاتجاه المعاكس تمامًا؛ إذ يفتح حدوده أمام كل من هبّ ودبّ، بلا ضوابط أو حسابات وطنية، في ظل واقع هش وأزمات متراكمة تهدد أمنه وهويته ومستقبله...!!
أمريكا، التي تُعد من أكبر الديمقراطيات في العالم، ومن أقوى الدول اقتصاديًا وماليًا وصناعيًا، لم تتردد في تبنّي خطاب متشدد إزاء ملف الهجرة، رغم كونها دولة قامت أساسًا على مبدأ الهجرة والتنوع العرقي... ؛ فقد وعد ترامب خلال حملاته الانتخابية بترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين - بل وغيرهم ايضا -؛ والذين تشير التقديرات إلى أن عددهم يتجاوز عشرة ملايين شخص... ؛ بل ذهب أبعد من ذلك متعهدًا بترحيل نحو مليون مهاجر سنويًا، أي ثلاثة أضعاف ما تحقق في سنوات رئاسته الأولى... .
أمريكا، تلك التي قامت على أكتاف المهاجرين، وصاغت أسطورتها من أحلام القادمين عبر المحيطات، تتحوّل فجأة إلى حارس شرس على أبوابها، يلوّح بسياط الترحيل، ويشدّ الخناق حتى على من ولدوا في ظلال علمها. ترامب لم يكتفِ بالكلام؛ وعد ثم أوفى – بقرارات لا تعرف الرحمة – أن يقتلع جذور الهجرة غير الشرعية من أرضه، مهما كلّف الأمر مليارات، ومهما أثار من عواصف أخلاقية وسياسية.
ورغم إدراك المؤسسات الأمريكية بأن المهاجرين غير النظاميين يساهمون في قطاعات حيوية مثل البناء والزراعة والخدمات، وأن فقدان هذه الأيدي العاملة والرخيصة سيؤدي إلى نقص حاد في سوق العمل وارتفاع تكاليف الإنتاج وتهديد سلاسل الإمداد ... ؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفة عمليات الترحيل نفسها—من اعتقال ومحاكمات وترحيل—هائلة وتصل إلى مليارات الدولارات، وهي تكلفة تُثقل كاهل ميزانية تعاني أصلاً من ضغوط متعددة... ؛ ومع ذلك اصرت الادارة الامريكية على المضي في سياسات الطرد .
هذه السياسات القاسية لم تقتصر على الطرد الجماعي، بل شملت تضييق مسارات الإقامة القانونية وتقويض مبدأ اللجوء عبر تسريع المحاكمات وتوسيع نطاق الاحتجاز... ؛ ورغم أن هذه الخطوات قد ترضي القاعدة الانتخابية المتشددة، فإنها تهدد الصورة النمطية لأمريكا كأرض الفرص، وتضعها في مواجهة قيمها الإنسانية وتاريخها كمجتمع مهاجرين ... ؛ نعم عشرة ملايين مهاجر غير نظامي يعيشون في أمريكا، يضخّون الدم في شرايين اقتصادها، يسدّون ثغراتها في البناء والزراعة والخدمات، ومع ذلك قرّر ترامب أن يطردهم، وأن يرحّل مليونًا كل عام. ليس خوفًا على القمح أو الفولاذ، بل بدعوى حماية الأمن والهوية والسيادة ...!!
أوروبا ليست أفضل حالاً؛ فالاتحاد الأوروبي ينفق المليارات ليحمي أسواره من طوفان المهاجرين، يبني الجدران، يعقد الصفقات، يسنّ القوانين التي تجعل من الوصول إلى شواطئه حلمًا محفوفًا بالموت... ؛ حتى دول الخليج – الغارقة في الثروة كالكويت – طردت من وُلد جده الرابع في ترابها، وأسقطت الجنسيات عن قبائل عريقة بذريعة "نقاء الأصل"! وإيران، التي كانت تدّعي احتضان المظلومين، ألقت بالملايين على حدود أفغانستان بعد أن كشفت الحرب الأخيرة عورات التجنيد والتسلل والتخريب... ؛ حتى حكومة الجولاني اسقطت كافة عمليات التجنيس التي تمت في عهد الاسد ... .
هذه المواقف الصارمة من دول قوية اقتصاديًا وأمنيًا، وتملك أنظمة راسخة وأجهزة متطورة، تعكس إدراكًا عميقًا لمخاطر الانفلات الديموغرافي والهجرة غير المنضبطة... ؛ في المقابل، نجد العراق – بكل ما يعانيه من ضعف اقتصادي وأمني، وغياب الاستقرار السياسي، وانتشار الفساد الإداري، وانعدام الرؤية الوطنية – يفتح أبوابه على مصراعيها للغرباء والاجانب والدخلاء ، ويسهّل دخول العمالة الأجنبية والجاليات الغريبة، بل ويشرع في عمليات تجنيس مشبوهة تهدد هويته وتماسكه الاجتماعي... ؛ نعم مع ذلك هم يغلقون الأبواب، بينما نحن نفتحها حتى لذئاب الليل وثعالب الحدود ؛ في مشهد يثير التساؤلات ويعكس خللًا عميقًا في الرؤية الوطنية...؟!
# العراق... استباحة بلا حساب ... الانفتاح غير المسؤول في ظل دولة هشة
فالعراق اليوم يعجّ بالغرباء: عمالة سائبة، جاليات غريبة، عمليات تجنيس مشبوهة وفاسدة ... ؛ وبعض هؤلاء ليسوا مجرّد باعة متجولين أو عمال مقاهي ؛ بل بينهم من ارتبط بشبكات تجسس، ومن دخل في صفقات الإرهاب، ومن جاء من حواضن تكفيرية وطائفية مسمومة كما اسلفنا ... ؛ إننا لا نتحدث عن تغيير في سوق العمل، بل عن تهديد للأمن الوطني ، ومحو للهوية الوطنية، وانهيار لبنية المجتمع العراقي.
ومع ذلك، الحكومة صامتة... صمت الخيانة لا صمت العجز... ؛ لأن العجز يُحتمل، أما التواطؤ فلا يُغتفر... ؛ إن ما يحدث ليس صدفة، بل جزء من مشروع كبير: تهجين العراق، وتذويب الأمة العراقية، وتحويل الوطن إلى أرض مستباحة لا ملامح لها ولا سيادة.
# خطر وجودي يهدد الهوية
ما يحدث اليوم ليس مسألة عمالة أو وظائف، بل مشروع تهجين وتذويب للهوية الوطنية العراقية، يستهدف المجتمع من الداخل ويحوّل الوطن إلى ساحة رخوة للاختراق الأمني والسياسي والاجتماعي. ومع كل ذلك، تغط الحكومة في سبات عميق، أو تتواطأ في هذا المخطط المشبوه، بفعل الفساد وغياب الرؤية الوطنية.
إنها مفارقة العصر: الأقوياء يحمون أوطانهم من الاختراق، أما الضعفاء فيفتحون الأبواب للرياح العاتية، ثم يتباكون على خراب البيوت!
إذا كان ترامب، بكل جبروته، يخشى الهجرة لأنها تهدّد هويته، فماذا عنّا نحن؟ نحن الذين نعيش في وطن يتآكله الفساد، وتنهشه الميليشيات والفصائل والاحزاب والحركات والمنظمات المرتبطة بالاجندات الخارجية ، وتعبث به أجهزة المخابرات الدولية والاقليمية ... ؛ ألا ندرك أن كل غريب بلا ضابط ولا حساب، هو رصاصة جديدة في قلب العراق؟!
نعم : بينما تتخذ الدول القوية قرارات حازمة لحماية أمنها القومي، نجد العراق – وهو الأضعف – يفتح الأبواب للرياح العاتية، ثم يتباكى على الخراب! إنها ليست سياسة عابرة، بل جريمة بحق الوطن والتاريخ، ستدفع الأجيال القادمة ثمنها غاليًا... ؛ كما دفع العراق والعراقيون ثمن تجنيس ابناء الفئة الهجينة من بقايا العثمنة ومواطني دول الجوار والبلدان الناطقة بالعربية وغيرها طوال عشرة عقود من الزمن تقريبا .
ان العواقب الأمنية والهوياتية الكارثية على العراق والاغلبية والامة العراقية كبيرة جدا ؛ وهذ الانفتاح ليس بريئاً أواعتباطيا ... ؛ بل مخططات منكوسة ولها تبعات وخيمة... ؛ فقد دخل إلى العراق عبر هذه السياسة المنكوسة آلاف الأجانب والغرباء، والاخطر من ذلك هو أن عمليات "التجنيس المنكوس"— أي منح الجنسية بشكل غير قانوني أو استعراضي — تهدد النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية العراقية الأصيلة، وتساهم في عملية "تهجين" قسري للبلاد.
#أي منطق يقف وراء هذه السياسات ؟ لماذا؟ بأي منطق؟ بأي شريعة وطنية أو عقلانية سياسية؟!
أما العراق، الجريح الممزّق، الذي ما زال يلعق دماءه بعد كل حرب، فيغط في سبات عميق، بل يمدّ السجاد الأحمر أمام الغرباء والاجانب والدخلاء ... ؛ علما ان العراق ليس أكثر مدنية من أمريكا، ولا أكثر التزامًا بالمواثيق الدولية من أوروبا، ولا أقوى اقتصاديًا من الغرب، ولا أكثر أمنًا من إيران ولا أغنى من الكويت ... ومع ذلك، أصبح البلد مرتعًا للأجانب والدخلاء والغرباء ، بعضهم ارتكب جرائم جنائية واقتصادية، وبعضهم ارتبط بشبكات تجسس دولية وأجهزة مخابرات معادية، بل انخرط في تشكيلات إرهابية وطائفية وعنصرية جاءت من بيئات تكفيرية مسمومة او عنصرية ... ؛ إن هذه الفوضى الديموغرافية ليست بريئة؛ بل هي انعكاس لفساد النخب الحاكمة وفشلها في بناء دولة ذات سيادة... ؛ فبينما تتخذ القوى الكبرى إجراءات حازمة لحماية أمنها القومي، تغط حكومتنا في سبات عميق، أو ربما تتواطأ عمدًا في مشروع يهدف إلى تهجين العراق وتذويب هويته الوطنية الأصيلة، في واحدة من أخطر الجرائم بحق الوطن والتاريخ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat