السليمانية والخيبة الكردية المتجددة, حين تُطلق البنادق في وجه التاريخ
سعد محمد الكعبي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سعد محمد الكعبي

المثقف الكردي اليوم أمام اختبار قاسٍ إما أن يتحوّل إلى شاهد صامت أو أن يرتقي إلى مقام المصلح
في السليمانية المدينة التي طالما افتخرت بهدوئها النسبي في خضم العواصف الكردية دوّى في الأيام الماضية صوت الرصاص مجددًا لا في وجه غازٍ أجنبي ولا ضد استبداد خارجي، بل بين إخوة السياسة والسلاح أبناء القضية الواحدة ومهندسي الحلم القومي الكردي.
القتال الذي نشب في مخيم زيرغوَز بين منظمة الكادحين الكردستانيين و حزب كماله الإيرانيَّين، لم يكن مجرد حادث عرضي بل تذكير مؤلم أن الصراعات الصغيرة بين أبناء البيت الواحد قادرة على هدم ما لم تهدمه الجيوش.
لقد سقط قتيلان من منظمة الكادحين، وجرحى من الطرفين، في مشهد عبثي يُظهر كم أن الاختلاف على الزعامة، أو الخلافات التنظيمية العقيمة، قادرة على تقويض بقايا وحدة ثقافية ونضالية دفعت أثمانًا باهظة عبر العقود
كان يفترض أن تكون أرض كردستان
بما فيها السليمانية ملاذًا للأفكار والتنظيمات التوّاقة للتحرر، لا ساحة لتصفية حسابات أيديولوجية متآكلة.
الطرفان المتقاتلان كانا، إلى عهد قريب في خندق سياسي وتنظيمي واحد وحتى حين افترقا، كانت الأنظار تتطلع إلى اندماج أو تعاون يعكس حسًّا بالتاريخ والواجب إلا أن ما حدث هو العكس تمامًا فشل محاولات التوحد، ثم تراشق اتهامات، وصولاً إلى اشتباك دموي تحوّل إلى قضية رأي عام، ليس في كردستان العراق فحسب، بل بين الشتات الكردي كله.
كأن قدر الحركة الكردية على تنوعها
أن تسير في دوائر مغلقة تبدأ بوحدة، تليها انقسامات، ثم تصفية حسابات، ثم تسويات مؤقتة، ثم انقسامات أخرى، وهكذا دواليك.
من يتحمل المسؤولية
المسؤولية هنا لا يمكن إلقاؤها على الآخر كما اعتدنا. لا تركيا، ولا إيران، ولا بغداد، ولا الغرب.
المعركة التي وقعت كانت كردية
كردية، على أرض كردية، في وقت حرج تمر فيه عموم المنطقة بتحديات متصاعدة من اتفاقيات نزع السلاح مع حزب العمال الكردستاني، إلى توترات الحدود وانكماش الدعم الدولي للقضايا القومية.
فإذا كانت السليمانية
بكل رصيدها الثقافي والسياسي لا تستطيع أن تمنع هذا النوع من الاحتراب بين تنظيمات يفترض أنها تقاوم الظلم نفسه، فما الذي تبقى من المشروع الكردي التحرري؟
المثقف الكردي بين الصمت والخذلان ما يثير القلق أكثر هو الصمت الثقافي شبه الكامل أين أصوات الشعراء، الروائيين، المفكرين الكرد
هل أصبح الاشتباك المسلح خبرًا عاديًا
أم أن التعب الجمعي أصاب حتى اللغة
أم أن الانقسام الحزبي طال النخبة فأصابها بالشلل
المثقف الكردي اليوم أمام اختبار قاسٍ إما أن يتحوّل إلى شاهد صامت على أخطاء المرحلة، أو أن يرتقي إلى مقام المصلح الحقيقي، الذي لا يخاف من توجيه نقد علني حتى لأقرب الحلفاء.
ما حدث في السليمانية ليس حادثًا محليًا عابرًا. إنه مرآة لما آلت إليه الحركة السياسية الكردية في زمن ما بعد الثورة، حين تفرغ التنظيمات من معناها وتتحوّل إلى كيانات خائفة من الظل، ومهووسة بالمركزية والزعامة والامتيازات.
ربما آن الأوان لمراجعة شاملة، لا فقط للتاريخ الحزبي، بل لمفهوم القضية نفسه، لأن القضايا لا تبقى نقية إلى الأبد... قد تفسدها الأنظمة، وقد تقتلها البنادق، وقد يخنقها الصمت.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat