صفحة الكاتب : رياض سعد

البروكرستية العراقية: حين تُقصّ الأرواح لتناسب سرير السلطة
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في الأسطورة اليونانية، كان "بروكرست" يفرض على ضحاياه قالبًا حديديًا واحدًا، فيقطع أطرافهم أو يمدد أجسادهم بالقوة حتى تتناسب مع مقاس سريره... ؛  لم يكن الهدف تحقيق العدل أو التوازن، بل إرضاء جنون فكرةٍ مسبقة، وإخضاع الجميع لمعيار واحد لا يعترف بالاختلاف ولا يقر بالتنوع .

العراق كان ولا زال  يعيش  نسخته الخاصة من "البروكرستية"، لكنها ليست حكاية عن رجل في غابة أثينا، بل عن قوى سياسية ودينية واجتماعية متزمتة، نصبت لنفسها أسِرّة حديدية من الأفكار والمقاييس الجامدة... ؛ و هذه القوى لا ترى في المجتمع تنوعًا حيًّا ولا فسيفساء إنسانية، بل ترى قوالب يجب أن تُملأ بالقوة؛ فمن لم يتناسب مع مقاس "السرير" الفكري أو المذهبي أو الحزبي، جرى "قطع" عقله أو إرادته أو لقمة عيشه، أو يتم  "تمديده" قسرًا عبر التلقين والضغط والتهديد حتى يتمزق داخليًا...

البروكرستية في العراق تتجلى في محاولات صبّ كل الأفراد في قوالب طائفية، حزبية، أو قبلية محددة سلفًا ... ؛  بحيث يصبح الانتماء أهم من الكفاءة، والولاء أهم من النزاهة، والتشابه أهم من الإبداع... ؛  وهكذا، يُقصى المختلفون، وتُخنق الأصوات المستقلة، ويُختزل الإنسان إلى مجرّد "قياس" يناسب أجندة أصحاب السلطة.

*أسباب تفشي الظاهرة

*الإرث السلطوي: عقود  بل قرون من الحكم الاستبدادي الذي اعتاد على توحيد الرأي بالقوة، جعلت المجتمع يربط الاستقرار بالانصياع.

*الطائفية السياسية: التي تُحوّل التنوع إلى تهديد، وتتعامل مع كل مكوّن على أنه كتلة متجانسة يجب أن تخضع لزعيم أو حزب واحد.

*الجمود الديني والاجتماعي: حيث تُفرض قراءات دينية أحادية، وتُعتبر أي محاولة للتأويل أو التجديد خروجًا على "السرير المقدس".

*غياب العدالة وضعف القانون: مما يجعل القوى المهيمنة تفرض قوالبها على الناس بلا رادع.

*طرق العلاج

*إصلاح النظام التعليمي ليعلّم التعددية وقبول الاختلاف بدلًا من صناعة نسخ مكررة من العقول.

*دسترة التنوع بشكل يضمن الحماية القانونية لكل رأي أو مذهب أو هوية.

*إصلاح المؤسسة الدينية عبر فتح باب الاجتهاد، وكسر احتكار التأويل من قبل جماعة أو مدرسة  واحدة.

*تمكين المجتمع المدني لخلق فضاءات بديلة تحترم الفردية وتدافع عن حق الاختلاف.

البروكرستية ليست مجرد مرض فكري، بل هي سجن جماعي يخنق الإبداع ويستنزف طاقات المجتمع... ؛  وإذا أراد العراق الخروج من هذا القيد، فعليه أن يكسر السرير الحديدي، لا أن يبحث عن ضحايا جدد ليلائموا مقاسه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/21


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • جدلية القوة والضعف في المسار السياسي الشيعي : تحليل استراتيجي لمعادلات الصراع في المنطقة  (المقالات)

    • العمالة الأجنبية والمقيمون والمجنسون في العراق… قنابل موقوتة تهدد السلم الأهلي والأمن الوطني  (المقالات)

    • قانون القوة في العراق المعاصر بين وهم الشعارات وحقائق الميدان  (المقالات)

    • أشباح الإمبراطورية : المخابرات البريطانية في العراق من الظل إلى السلطة  (المقالات)

    • وادي حوران محتل كالجولان من قبل الامريكان (5) وادي حوران في قبضة داعش  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : البروكرستية العراقية: حين تُقصّ الأرواح لتناسب سرير السلطة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net