المجتمع المهدوي وزيارة الأربعين
علي الخالدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي الخالدي

قال تعالى:
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾،
وقال عزّ من قائل: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
إنّ وراثة الأرض هي الجامع بين الآيتين الكريمتين، وهو وعدٌ إلهيّ محتوم، ومنّة من الله تعالى على عباده المؤمنين، أشبه بالتكريم لهم. وهذا التكريم ليس منحةً بلا مقابل، بل هو حصيلة تضحيةٍ وفداءٍ قدّمه أولئك العباد في مراحل الابتلاء والامتحان، فاستحقّوا مقام الوراثة والاستخلاف. ولأن الأرض كلّ الأرض لا تُسلَّم إلا إلى صفوةٍ من البشر، فقد اختصّ الله تعالى لهذه المهمة الإلهية عبادًا اصطفاهم بعد أن اجتازوا فلاتر البلاءات وعقبات الاختبارات.
وقد يُسأل سائل: لِمَ لم يمنح الله وراثة الأرض للناس طَوال آلاف السنين منذ نشأة الخليقة إلى يومنا هذا؟ والجواب: إنّ وراثة الأرض تعني انتشال المجتمعات من بؤر الظلم والجور إلى فضاءات النور والقسط والعدل. وهذه من أعظم المهام وأقدسها، إذ تتطلب تحمّل الجراح، والصبر على الأشواك، وخوض مسيرةٍ شاقّة لا ينالها إلا أهل الرفعة والسمو. فذلك هو ذروة العبودية ولذّتها، كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، والعبادة هنا ليست مجرد الطقوس والشعائر، بل هداية البريّة إلى صراط الله المستقيم.
وبعد هذا البيان، يتضح لنا أنّ مجتمع الوارثين هو في جوهره مجتمع الهادين، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾. وهم أنفسهم كيان المنتظرين للعدل الإلهي والعاملين على إقامته. هذا المجتمع هو البذرة الإلهية التي تنشأ في آخر الزمان لتفتح عهداً جديداً للبشرية، فيمتاز أفراده بروحٍ واحدة، ويفتح بعضهم بيوت بعض، ويتقاسمون المال والزاد، وتنصهر بينهم الأنساب والمصالح، وتذوب الجنسيات وتزول الحدود المصطنعة. فتغدو الأرض كلّها أرض الله، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾.
وهذا المجتمع المهدوي الموعود تجلّى وجوده عمليًا في زيارة الأربعين للإمام الحسين عليه السلام؛ إذ تجسدت في أجساد السائرين أرواحٌ ملائكية، وسكنت فيهم أخلاقيات أمة العدل. غير أنّ هذا الوجود المهدوي ليس محطة عابرة، بل رسالة ممتدة، ينبغي أن يحافظ عليها المؤمنون بصورتها الأصيلة حتى قيام الإمام المنتظر، الوارث الحق للأرض.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat