بيجي تواجه تحديًا صحيًا حادًا.. التلوث يهدد حياة السكان
كتابات في الميزان / مدينة بيجي في محافظة صلاح الدين تواجه أزمة صحية متفاقمة نتيجة التلوث الناجم عن مصفى المدينة والمنشآت الصناعية المحيطة، ما أدى إلى ارتفاع حاد في حالات السرطان وأمراض الكلى خلال السنوات الأخيرة.
كارثة صحية في بيجي
ويقول الناشط ثابت عامر من محافظة صلاح الدين إن “قضاء بيجي شهد في السنوات الأخيرة ارتفاعا حادا في أعداد المصابين بمرض السرطان وأمراض الكلى، وهو ما اثار مخاوف واسعة بين الأهالي ودفع الناشطين إلى المطالبة بتدخل حكومي عاجل”.
وأوضح عامر أن “حالات السرطان في بيجي لم تتجاوز قبل عام 2014 نحو 100 حالة، لكن الأرقام بدأت ترتفع بشكل كبير بعد عودة الأهالي إلى مدينتهم عام 2017، حيث سجل عام 2019 نحو ألف وخمسمئة حالة، وقفز العدد في عام 2022 إلى أكثر من ألفين وأربعمئة حالة، بينما تظل إصابات أمراض الكلى بلا إحصائيات دقيقة رغم انتشارها الواسع”.
وبين عامر أن “هناك ثلاثة أسباب رئيسة لهذا التدهور الصحي، أولها تلوث المياه الصالحة للشرب بمخلفات مصفى بيجي المحملة بمواد كيميائية من دون أي عمليات تنقية أو معالجة. وثانيها تلوث الهواء الناتج عن حرق نفايات المصفى وما تحويه من مواد مسرطنة، وثالثها اختلاط مياه المجاري الثقيلة بمصادر مياه الشرب القادمة من جهتي قرية البعيجي وقرية جريش”.
وأكد أن استمرار هذه الأوضاع يمثل كارثة صحية حقيقية تهدد حياة السكان، مطالباً الحكومة ووزارتي الصحة والبيئة باتخاذ خطوات عاجلة لوقف التلوث، ومعالجة المياه، ومراقبة جودة الهواء والماء، فضلاً عن إنشاء مراكز متخصصة لعلاج المرضى داخل القضاء.
المشكلة قائمة منذ 1980
من جهته، قال قائمقام قضاء بيجي، عادل أحمد القيسي، إن “مشكلة التلوث في المدينة ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى عام 1980 منذ إنشاء مصفى بيجي ومحطات الطاقة الحرارية ومصانع الزيوت النباتية المحاذية لنهر دجلة”، مشيراً إلى أن “هذه المنشآت تفرز مخلفاتها في مجرى مائي قريب”.
وأضاف القيسي، أن “مديرية بيئة صلاح الدين، بالتعاون مع بيئة المصافي ولجنة مختصة من المصفى، أخذت عينات من هذا المجرى وتم تحليلها، ليتبين وجود مواد كيميائية تستخدم في معالجة الغاز السائل داخل المصافي بغرض التمييز والرصد أثناء الاستعمال المنزلي”.
وتابع، أن نتائج التحاليل ستعرض خلال الأيام المقبلة، معرباً عن أمله في أن يتم اتخاذ خطوات عملية لمعالجة الوضع.
كما انتقد غياب المراكز الطبية المتخصصة لعلاج مرضى السرطان في محافظة صلاح الدين،
مبيناً أن المفترض كان على وزارة النفط إنشاء مركز طبي خاص لمعالجة أهالي بيجي وموظفي المصفى في حي المصافي، إلا أن الواقع الحالي يضطر المرضى إلى السفر إلى أربيل أو السليمانية أو كربلاء لتلقي العلاج، وهو ما يثقل كاهلهم ويؤخر فرص شفائهم.
وعبّر القيسي عن غضبه وقلقه الشديدين من الارتفاع المخيف في حالات السرطان وأمراض الكلى داخل القضاء، حيث ارتفعت الإصابات من 100 حالة قبل عام 2014 إلى أكثر من 2400 حالة بحلول عام 2025، وسط غياب المعالجات الحقيقية.
كذلك أشار الى أن “السبب الرئيس لهذا التدهور الصحي هو التلوث المباشر للماء والهواء جراء مخلفات المصفى وحرق نفاياته، إضافة إلى اختلاط مياه المجاري الثقيلة بمصادر مياه الشرب، ما جعل صحة الأهالي في خطر دائم”.
وطالب القيسي الجهات الحكومية المختصة بالتحرك الفوري لإيقاف مصادر التلوث، ومعالجة المياه، ومراقبة جودة الهواء وإنشاء مراكز علاج عاجلة، محملاً السلطات المعنية المسؤولية الكاملة عن أرواح سكان القضاء.
مطالبة بخطة عاجلة
بدوره، بيّن الطبيب الاختصاص من محافظة صلاح الدين، مصطفى العبيدي، إن “التلوث الصناعي يشكل واحدا من أخطر المهددات للصحة العامة، إذ يؤدي تعرض الإنسان المستمر للمواد الكيميائية والملوثات الناتجة عن المصانع والمصافي إلى زيادة معدلات الإصابة بالسرطان، وأمراض الجهاز التنفسي، والفشل الكلوي”.
وقال العبيدي أن “هذه المواد المسرطنة لا تختفي بسهولة من البيئة، بل تتراكم في الماء والهواء والتربة، ومن ثم تصل في النهاية إلى أجسادنا عبر الشرب أو الغذاء أو الاستنشاق”.
وأضاف أن “الأمراض السرطانية، وخاصة سرطان الثدي والمعدة، شهدت ارتفاعا في مناطق الدجيل وبلد جنوبي صلاح الدين في السنوات الأخيرة بنسبة تصل إلى 30 في المائة، مع تزايد مطرد في أعداد الإصابات”.
ونبه الى ان “الضرر تضاعف بسبب عدم وضعف جاهزية المستشفيات المحلية، حيث يفتقر الكثير منها إلى الأجهزة المتخصصة والكادر الطبي المدرب للتعامل مع هذه الحالات المعقدة، مما يضطر المرضى إلى السفر لمسافات طويلة بحثا عن العلاج. هذا التأخير في التشخيص والرعاية يزيد من خطورة المرض ويقلل من فرص الشفاء”.
وزاد العبيدي بالقول إن “حماية صحة المواطنين تتطلب خطة عاجلة لوقف مصادر التلوث الصناعي، ومعالجة المياه والهواء، إضافةً إلى الاستثمار الجاد في تطوير وبناء المستشفيات المحلية، حتى تكون قادرة على تقديم الرعاية الطبية المتخصصة في مناطق التأثر المباشر”.
وشدد على أن “ملف الأمراض السرطانية يحتاج إلى دراسة معمقة وتقديم إجابات علمية دقيقة من أجل تحديد الأسباب المباشرة والسعي لاحتوائها، خاصة أن أعداد الإصابات ليست قليلة، وقد سببت معاناة قاسية لعشرات الأسر”.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat