صفحة الكاتب : عبد الرزاق عبد الكريم

نحو مسرح حسيني إسلامي الحلقة الثالثة
عبد الرزاق عبد الكريم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يشترط في المخرج ضمن التصور المسرحي الإسلامي أن يبتعد عن الاجترار والمحاكاة والتقليد، بل عليه أن ينتقل مباشرة إلى مرحلة التفسير والاجتهاد والإبداع والابتكار، ولن يتحقق له ذلك إلا بالانطلاق من رؤية التأصيل والبحث عن الذات، وتوظيف القالب الجمالي العربي الإسلامي في الفن والجمال والزينة، فيوظف جميع الأشكال الاحتفالية والطقسية المعروفة في تراثنا العربي والإسلامي: كفن لعبة البقال (البقال بازي)، والقصة خون، ومسرح المقامات، وخيال الظل، ومسرح الراوي الشعبي، ومسرح الأخبار والفكاهات والحكايات الشعبية... الخ.
وبذلك، يذهب المفكر والباحث العراقي عمر محمد الطالب إلى أن المسرح العربي الإسلامي ليس حديث العهد، بل هو مسرح موغل في القدم، فيصرح  قائلاً: (إن ما يؤكد وجهة نظرنا بوجود مسرح عربي إسلامي قديم، أن المسرح الحديث تأثر تأثراً كبيراً بالتراث العربي حيث وجدوا في القصص الشعبية كألف ليلة وليلة، والسير التاريخية الشعبية مادة أولية جاهزة تعينهم على تحقيق الهدف الذي ينشدونه في المسرح، نعني تحقيق التسلية والترفيه، وذلك لما في هذه القصص من مغامرات عجيبة وموضوعات مثيرة، وأجواء خيالية حافلة بعناصر التشويق والمفاجآت التي تتوجه إلى فضول المشاهد، وتخلق عدة عوامل منها: الدهشة والتوقع والانتظار، ومن ثم المتعة والسرور... 
ومن الواضح أن أغلب هذه القصص التي قامت عليها العروض المسرحية كانت قصصاً شائعة معروفة لدى الجمهور الذي ما برح يجد متعة كبرى حين يرى هذه القصص التي يعرفها جيداً، تمثل أمامه في المسرح).
ولا يعني هذا أن المخرج ينبغي أن ينطوي على ذاته وتراثه شكلاً ومضموناً، بل عليه أن ينفتح أيضاً على التجارب الدرامية العالمية والأشكال الفنية توظيفاً واستثماراً، وتتطور هذه التجارب بشكل سريع بفضل مؤهلات التكنولوجيا المعاصرة والثورة الرقمية المعاصرة.
 كما يمكن للمؤلف المسرحي في التصور الإسلامي أن يلتجئ إلى الإبداع الشخصي أو الاقتباس أو الاستنباط أو التحوير أو الترجمة، ولكن بشرط أن ينطلق من رؤية إسلامية واضحة في كتاباته الإبداعية، وتصدر عن عقيدة ربانية إسلامية سليمة وبناءة، فيعبر درامياً ومسرحياً عن نسق حضاري جاد وهادف، بعيداً عن العبث واليأس والقلق والسأم والتشاؤم القاتل، ويجوز له أن يتناول كلّ المواضيع التي تؤرق الإنسان ذاتياً وموضوعياً، ولكن بشرط واحد، أن لا تتنافى مع القضية المطروحة والمعروضة فنياً مع تعاليم الشريعة الإسلامية والعقيدة الربانية الهادفة.
 وعلى الكاتب المسرحي أن يبتعد ابتعاداً كاملاً عن الإبهام والتعقيد اللفظي والمعنوي، ناهيك عن الغموض، واستخدام الرموز التي يصعب إدراكها وفهم رسالتها المباشرة وغير المباشرة باسم التجديد والحداثة والانزياح وأدب الطليعة... والمقصود في هذا أن رسالة المسرح ينبغي أن تكون واضحة في مراميها، وهادفة في غاياتها وأبعادها، ولكن ليس عن طريق تشغيل أسلوب التقرير، واستعمال التكرار والرتابة، وتوظيف الخطب الرنانة المباشرة،  بل لابد من كتابة فنية ممتعة في إضاءة الحق والخير والجمال. ويقول الدكتور حسن الأمراني في هذا السياق: (إن من شروط الثقافة البانية أن تكون واضحة الأهداف، ولكن من شروطها كذلك أن تكون وسائلها منسجمة مع طبيعة الأهداف، ومن هنا تتداعى القاعدة الميكيافلية (الغاية تبرر الوسيلة). فالغاية، في مفهوم الثقافة البانية، لا تبرر الوسيلة، وإذا كان الهدف الأساسي هو تكريم الإنسان، وتحريره من كل مظاهر الخوف والتوكل والإحجام، فإن من الخيانة أن نسير بهذا الإنسان في سراديب التيه، وإذا كانت طبيعة العمل الأدبي باعتباره رافداً جوهرياً من الروافد الثقافية، تتنافى مع التسطيح، وتتطلب قدراً من الإشارات المحملة بالرموز، فإن ذلك لا ينبغي أن يكون مبرراً للسقوط في الإبهام، وإلا تعطلت رسالة الأديب).
وإذا كان المسرح قد عرف مجموعة من المحطات الفنية عبر مراحل تطوره الزمني: كالمحاكاة والتجنيس والتجريب والتأصيل، فقد آن الأوان لينتقل المسرح الإسلامي إلى مرحلة التأصيل لتحقيق هويته وكينونته ووجوده وأصالته، وذلك عن طريق الإطلاع على تراثه الممتد زمنياً إلى العصر الجاهلي، مع الانفتاح على التجارب العالمية التي لا تتناقض في فلسفتها مع تعاليم الشرع الإسلامي.
المصــادر والمراجـــع:
•  الدكتور جميل حمداوي - من أجل نظرية مسرحية إسلامية جديدة.
•  أحمد ظريف - فلسفة التجاذب في الفن المسرحي. 
•  حكمت صالح - نحو مسرح إسلامي معاصر.
•  عمر محمد الطالب - ملامح المسرحية العربية الإسلامية.
•  محمد عزيزة - الإسلام والمسرح.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الرزاق عبد الكريم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/16



كتابة تعليق لموضوع : نحو مسرح حسيني إسلامي الحلقة الثالثة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net