بين الأمل في السلام ومخاطر التصعيد النووي .. ترامب وبوتين يلتقيان في ألاسكا
جاسم محمدعلي المعموري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جاسم محمدعلي المعموري

تتجه الأنظار دولياً نحو ولاية ألاسكا الأمريكية، حيث من المقرر أن يجتمع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء هو الأول من نوعه بينهما منذ تولي بايدن الرئاسة. يأتي هذا اللقاء في وقتٍ مضطرب تشهده العلاقات الدولية، خصوصًا مع استمرار الحرب في أوكرانيا التي تمزق القارة الأوروبية، وتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، إضافة إلى المنافسة الاستراتيجية المتزايدة مع الصين، والتهديدات النووية المتبادلة التي باتت تهدد الاستقرار العالمي.
إن اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين يخمل في طياته دلالات سياسية واستراتيجية كبيرة. فالعالم يشهد حالة انقسام حاد بين القوى الكبرى، حيث تصاعدت الخلافات بين الولايات المتحدة وروسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا، وموقف كل طرف من التدخلات الإقليمية في الشرق الأوسط , في الوقت نفسه، تسعى روسيا للحفاظ على نفوذها في هذه المناطق، بينما تحاول الولايات المتحدة فرض قواعد جديدة للنظام الدولي عبر حلفائها. وظهور ترامب من جديد على الساحة السياسية بعد فترة رئاسة بايدن قد يعيد ديناميات مختلفة للعلاقات الأمريكية الروسية، إذ أن ترامب معروف بعلاقاته المباشرة مع بوتين والتي كان لها تأثير كبير في السياسة الخارجية الأمريكية.
لعل أهداف هذا اللقاء تتمحور حول بحث سبل تخفيف التوتر في أوكرانيا، مناقشة ملف الشرق الأوسط، وضبط التنافس مع الصين، بالإضافة إلى مناقشة الملف النووي الذي يشكل خطراً متزايداً على الأمن الدولي .. تمثل الحرب في أوكرانيا الملف الأبرز والأكثر إثارة للقلق في المحادثات. قبعد سنوات من القتال الدموي الذي تسبب في مقتل آلاف المدنيين ودمار واسع، تتباين الرؤى حول مخرج للأزمة. روسيا ترفض أي تنازلات تُفقدها مكاسبها العسكرية، بينما الولايات المتحدة وحلفاؤها يدعمون أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي. وقد حاول ترامب سابقاً التوسط بين الطرفين، وكانت له مواقف متباينة بشأن الدعم العسكري لأوكرانيا.
هل يمكن أن يؤدي هذا اللقاء إلى اتفاق لتخفيف القتال أو حتى وقف إطلاق نار؟ الجواب يعتمد على مدى استعداد الطرفين للتنازل، وما إذا كانت هناك ضمانات دولية كافية تحفز على ذلك بالمقابل، هناك مخاوف من أن اللقاء قد يُستغل لتقوية المواقف المتشددة، خاصة مع تصاعد التهديدات النووية التي يطلقها بوتين وترامب على حد سواء، مما قد يدفع الأزمة إلى منحى أكثر خطورة.
الشرق الأوسط يشكل ساحة صراع معقدة يتداخل فيها الصراع العربي-الإسرائيلي، والصمود الإيراني، والحرب في سوريا واليمن ولبنان ، بالإضافة إلى التنافس السعودي-الإيراني.
كانت روسيا تلعب دوراً أساسياً في المنطقة عبر دعم سوريا الأسد ، اما الان فهي لا تشكل اي خطر على سوريا الجولاني وتحاول التقارب مع إيران، بينما الولايات المتحدة تحاول الحفاظ على تحالفاتها التقليدية مع إسرائيل والسعودية ودول أخرى, فقد يستغل الطرفان اللقاء لإعادة ترسيم خطوط النفوذ، أو الاتفاق على إجراءات لتخفيف النزاعات المسلحة، لكن هذا يتطلب تنازلات كبيرة، خصوصاً في ظل تصاعد التوترات الأخيرة بين إيران وإسرائيل ثم حرب ال 12 يوما بينهما ، وتدخلات القوى الخارجية.
إذا فشل اللقاء في تحقيق تقدم في الشرق الأوسط، فقد يفاقم الوضع ويؤدي إلى موجات جديدة من النزاعات المسلحة، تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي.
وبالرغم من أن الصين ليست طرفاً مباشراً في اللقاء، إلا أن ملفها سيكون محورياً في النقاشات حيث تتقاسم روسيا والصين مصالح استراتيجية ضد الهيمنة الأمريكية، مما يجعلهما حلفاء غير رسميين في مواجهة النفوذ الأمريكي العالمي.
ترامب معروف بتشديده على مواجهة النفوذ الصيني، وقد يحاول البحث مع بوتين عن تنسيق مشترك أو ربما يحصل تناقض في المواقف بينهما.
لكن الخلافات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى الملف التايواني، تشكل تحدياً كبيراً. هل سينجح الطرفان في إيجاد أرضية مشتركة تقلل من حدة المواجهة مع الصين؟ أم أن اللقاء سيعزز من التوترات في هذه المنطقة الحيوية؟
تصاعدت في الأشهر الأخيرة التهديدات النووية بين الولايات المتحدة وروسيا إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب الباردة , فتصريحات بوتين حول احتمال استخدام الأسلحة النووية، وردود ترامب التي تحمل في طياتها تهديدات مماثلة، أدخلت العالم في حالة من القلق الشديد. هل سيكون موضوع السيطرة على الترسانات النووية ومراجعة اتفاقيات الحد من الأسلحة من المحاور الحيوية للقاء؟
إن عدم التوصل إلى تفاهمات واضحة قد يعرض العالم لخطر سباق تسلح نووي جديد، بينما التوصل إلى اتفاقيات قد يعزز فرص السلام والاستقرار.
اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين في ألاسكا يحمل في طياته فرصًا نادرة لتحقيق اختراقات سياسية مهمة على مستوى الملفات الحساسة التي تهدد السلم العالمي. لكنه يحمل في الوقت نفسه مخاطر جسيمة إذا ما استمر التصعيد، خصوصًا في ظل التهديدات النووية المتبادلة.
يبقى السؤال الأهم: هل ستتغلب لغة الحوار والتفاوض ومصلحة السلام على لغة الحرب والتهديد؟ أم أن العالم على أعتاب فصول جديدة من الصراع والمواجهة؟ الإجابة تتوقف على إرادة القيادة السياسية وقدرتها على تجاوز الأحقاد والصراعات القديمة , لكن أن يحمل اللقاء تحولات غير متوقعة بسبب تفاهمات سرية أو تدخلات خارجية، تؤدي إلى تحولات استراتيجية مفاجئة في مواقف الطرفين, فإنه سيكون لقاءا عقيما على اقل التقديرات إن لم ينتج عن مخاطر جديدة.
جاسم محمد علي المعموري
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat