صفحة الكاتب : خالد جاسم الفرطوسي

رواية الواوي: تشويه متعمد لرجل الدين تحت غطاء الأدب..!
خالد جاسم الفرطوسي

الأدب في أصله أداة تنوير، لكن رواية “الواوي” يستخدمها المؤلف كسكين مسموم، مغمس بالحبر، ليطعن به مؤسسة دينية عريقة.

فالرموز فيها ليست محايدة، والحبكة ليست بريئة؛ إنها رسائل مشفرة تُراد منها زعزعة الثقة في رجال الدين وتقويض مكانتهم في الوعي الجمعي.

رواية “الواوي” تكشر عن أنيابها نحو فكر وتوجهات كاتبها زيد عمران لتعلن للقارئ أنها ليست مجرد سرد حكائي بريء، بل نص يتربص برجل الدين، يتعقبه بالرموز والإيحاءات، ليخرجه من عباءة الورع والتقوى ويلبسه جلباب المكر والدهاء.

حتى العنوان نفسه، “الواوي”، ليس بريئًا؛ إنه اختيار محمّل بالرمزية الحيوانية الماكرة، يشي بأن المؤلف أراد منذ البداية أن يضع بطل روايته – وهو رجل دين – في خانة المفترس المتربص.

فالرواية تتعامل مع الحوزة والمرجعية وكأنهما درج صعود نحو عروش النفوذ، لا منابر علم وهداية؛ ففي كل محطة من محطات حياة البطل، يصر السرد على إبراز صفقاته الخفية ومناوراته السياسية، حتى ليخيّل للقارئ أن الدين مجرد ورقة في لعبة سلطة قذرة.
هذا التناول لا يمكن اعتباره نقدًا إصلاحيًا، بل هو تشويه ممنهج يمحو كل ما هو مضيء في صورة رجل الدين.

ولم يكتفِ المؤلف برسم شخصية فردية، بل صاغ بيانًا أدبيًا ضد رجل الدين، ممهورًا بكل ما تحمله الرمزية من إيحاءات جارحة؛ إنها طعنة مكتوبة، لا تقل ألمًا عن الطعن في الظهر.

الرواية لم تكتفِ بسرد مسيرة البطل من طفل أرمني لاجئ إلى زعيم ديني، بل جعلت هذا التحول مرتبطًا بالصعود الاجتماعي والسياسي، وكأن الحوزة مجرد سلّم للنفوذ وليس بيتًا للعلم والتقوى.

هذا الطرح يختصر الدين في لعبة سلطة، ويجرد المرجعية من بُعدها الإيماني والروحي.
زيد عمران يصوّر رجل الدين في الرواية ككائن سياسي يتلاعب بالناس ويوظف الدين لأهداف دنيوية، فلا نجد في النص أي محاولة للإنصاف أو إظهار الجانب العلمي والإنساني لرجل الدين، بل العكس تمامًا، حيث أن ما تجده ليس إلا التركيز على رمزية الخداع والمصالح الشخصية في صورة نمطية تفتقر للموضوعية وتغذي الكراهية.

مما يتبين وبكل وضوح وبداهة أن خطابه الأدبي يخفي وراءه أجندة فكرية.
وهنا يتجاوز العمل حدود النقد الأدبي إلى التشويه المتعمد؛ فالكاتب لا يكتفي بتناول شخصية فردية، بل يجعلها انعكاسًا ضمنيًا للمؤسسة الدينية ككل.
وهذه ليست حرية فنية بريئة، بل خطاب أيديولوجي يريد أن يزرع من خلاله الشك في نفوس القراء تجاه رجال الدين ودورهم في المجتمع.

واللافت للنظر أن زيد عمران في روايته يجرّد رجل الدين من صفاته الإنسانية، ليحوله إلى كائن براغماتي متعطش للهيمنة. في النص، لا مكان للزهد أو العلم أو التربية، بل هناك فقط دهاء الواوي الذي يتقن مطاردة الفريسة.

هذا الانحراف المتعمد في البناء الفني يشي بأن الهدف ليس رواية قصة، بل تثبيت صورة ذهنية سلبية في وعي القارئ.

وخلاصة ما يمكن قوله في رواية “الواوي” أنها ليست مجرد عمل أدبي يحمل رؤية خاصة، بل نصّ موجه، يخلط بين النقد وبين تشويه صورة الدين ورجاله.

وهذا النوع من الكتابات، مهما حاول أن يتخفى وراء الرمزية، يظل في جوهره هجومًا على القيَّم الدينية وتشويهًا للرموز الروحية التي تمثل ضمير الأمة.

في النهاية، من يقرأ رواية “الواوي” يدرك أن الرواية لم تُكتب لتروي حكاية إنسانية أو لتفتح باب النقاش حول إصلاح المؤسسة الدينية، بل لتغرس في ذهن القارئ صورة مشوهة لرجل الدين، تُلبسه ثوب المكر وتجرّده من التقوى والعلم؛ فهي ليست رواية تبحث عن الحقيقة، بل نص أدبي مسموم، يختبئ خلف أقنعة الفن والرمزية ليضرب الثقة في الدين ورموزه.

فهي نص أدبي شرس، يتخفى خلف قناع الفن ليشن هجومًا عنيفًا على قيَّم راسخة ورموز روحية.

والواجب على القارئ الواعي أن يميز بين النقد البنّاء الذي يصحح، وبين الإساءة المقصودة التي تهدم، فالفرق بينهما كالفرق بين الجراحة العلاجية والطعن الغادر في الظهر.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


خالد جاسم الفرطوسي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/10


  أحدث مشاركات الكاتب :



كتابة تعليق لموضوع : رواية الواوي: تشويه متعمد لرجل الدين تحت غطاء الأدب..!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net