مشروع تحلية مياه البحر في البصرة.. خطوة حاسمة نحو حل أزمة المياه

كتابات في الميزان / تحلية مياه البحر في البصرة تعدّ خطوة هامة نحو حل أزمة المياه المتفاقمة في العراق، بعد سنوات من المعاناة مع شحّ المياه وتلوّثها.

مع انطلاق الأعمال التنفيذية لأول مشروع لتحلية مياه البحر في العراق، سادت أجواء من الأمل بين العراقيين، بعد سنوات من المعاناة مع شحّ المياه وتلوّثها، وسط دعوات من مختصين بيئيين إلى تسريع وتيرة تنفيذ هذا التوجّه الحكومي، باعتباره خطوة أساسية نحو حلّ جذري ومستدام لأزمة تهدّد حياة ملايين السكان.

وكان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، قد أطلق الأسبوع الماضي المشروع الأكبر من نوعه في تاريخ البلاد، بطاقة إنتاجية تبلغ مليون متر مكعب يوميا، وذلك ضمن محطة تحلية استراتيجية تُقام قرب ميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة، على سواحل الخليج العربي جنوب البلاد.

ويضم المشروع بنية تحتية متكاملة تشمل خطوط توزيع وخزانات، إلى جانب محطة طاقة توليد كهرباء بطاقة 300 ميغاواط لتشغيل مختلف مرافق المشروع.

وخلال زيارته إلى البصرة، أكد السوداني أن مشكلة شحّ المياه أصبحت متجذرة، والحل يكمن في التوجه الجاد إلى مشاريع التحلية، مشددا على أن هذا المشروع يعد من أولويات الحكومة كونه يمثل حلاً مستداماً وجذرياً لأزمة المياه.

ويعدّ التغيّر المناخي أحد أبرز التحديات التي تواجه العراق، إذ يسهم بشكل كبير في ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف، نتيجة الانخفاض الحاد في منسوب المياه الواردة إلى نهري دجلة والفرات من تركيا وإيران المجاورتَين، اللتين تعانيان بدورهما من آثار التغيرات المناخية.

ويفاقم هذا الوقع التحديات البيئية والصحية والإنسانية التي يواجهها العراق، ما ينذر بكوارث وشيكة تمس مختلف مناحي الحياة، لا سيما أن العام الحالي يُصنف الأكثر جفافاً منذ نحو ثمانية عقود، وفقاً لتقديرات خبراء.

نحو حل أزمة المياه في العراق

من جانبه، يرى المهندس البيئي علي الحلفي، أن المشروع يمثل لحظة مفصلية في مسار إدارة الموارد المائية في العراق، ويقول: “وصلنا إلى عتبة العطش، حرفياً. الأهوار تجف، وشط العرب يتملح، والمياه الجوفية تستنزف. نحن بحاجة إلى سياسة تحلية صارمة تنقذ مناطق العراق خاصة الجنوب من المصير الأسود”.

ويشير الحلفي إلى أن العراق لم يعد يملك رفاهية الانتظار أو المساومة، مبيناً “بين تغير المناخ وشح الإطلاقات من دول المنبع، لم تعد الأنهار ضمانة كافية، ومشروع البصرة يمكن أن يشكل بداية تحول حقيقي إذا ما ربط باستراتيجية وطنية شاملة”.

أما الباحث في شؤون المياه، سيف الجبوري، فيربط بين الأمنين المائي والمجتمعي، قائلاً في حديث لـ”العربي الجديد”: “حين يصبح الحصول على ماء نظيف تحدياً يومياً، فذلك يؤسس لأزمات اجتماعية واقتصادية خطيرة، ومشاريع التحلية ليست رفاهية، بل ضرورة وجودية”.

ويحذر الجبوري من أن البصرة، التي تطفو على بحر من المياه المالحة، كانت ولسنوات طويلة تعاني من تلوث المياه وارتفاع نسبة الملوحة، مما أسهم في تراجع الزراعة وهجرة سكان الريف إلى المدن.

رافعة للتنمية

وأشار المتحدث إلى أن مشاريع تحلية المياه “تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، شريطة أن تأخذ نصيباً كبيراً من الاهتمام بما يسمح لها أن تكون رافعة للتنمية، ومحركا للنهوض بالقطاع الزراعي، مع إمكانية الاستفادة من خبرات دول متقدمة في هذا المجال، كالسعودية”.

بدوره، أكد الخبير البيئي، أحمد حسن،  أن مشروع البصرة يأتي استجابة ضرورية للتغيرات المناخية الجذرية. وأضاف: “تفيد البيانات الرسمية بأن معدل إيرادات دجلة والفرات انخفض إلى 27% فقط مقارنة بالعام الماضي، وهذه أرقام كارثية، إلى جانب أن المخزون المائي في السدود لا يتجاوز 8% من طاقته القصوى”.

وأوضح حسن أن استمرار انخفاض الإيرادات المائية وعدم تعاون دول المنبع “ينذر بمرحلة من الشح المائي الشديد، وقد يدفع العراق في مصاف الدول الأكثر عطشاً إذا لم تسرّع المشاريع البديلة مثل التحلية وإعادة تدوير المياه”. واعتبر المتحدث، أن “مشاريع التحلية، رغم كلفتها العالية، تتيح مرونة استراتيجية في إدارة الموارد، وتمنح الدولة القدرة على التكيف مع السيناريوهات المناخية الأكثر تطرفاً”.

تحديات التنفيذ والتشغيل

يوفر المشروع مياها لأكثر من 4 ملايين نسمة ويخلق 3500 فرصة عمل، ويعتبر ركيزة أساسية للبنية التحتية المستقبلية في جنوب العراق، لكن الخبير البيئي صالح الشمري يحذر  من تحديات تتعلق بالتنفيذ والتشغيل المستدام. ويشدد الشمري على أن “التحلية وحدها لا تكفي، ما لم ترافقها خطة لترشيد الاستهلاك، ومعالجة الهدر، ورفع الوع

ي المجتمعي بأهمية المياه. ويضيف: “إذا أردنا النجاح، يجب أن نعمل على تكامل مصادر المياه، ونقل الخبرات الدولية، ووضع ضوابط صارمة لاستخدام المياه في الزراعة والصناعة”.

تظهر مشكلة المياه في العراق جليةً في مياه الشرب، إذ بات كثيرون لا يثقون في شركات تعبئة المياه المعبأة، رغم أن هذه الشركات مرخصة رسميا من الجهات الحكومية المختصة.

ويعزى سبب عدم الثقة إلى أن بعض الأشخاص اكتشفوا عبر الفحص المختبري عدم نقاء هذه المياه، فيما أكد آخرون اطلاعهم على عمليات عدد من الشركات ووجود تقصير في الالتزام بالإجراءات المفروضة على إنتاج المياه، بحسب شهادات عدة، من بينها رائد خضير الذي صرح بأنه عمل لفترة في نقل وتوزيع المياه المعلبة وكان على اتصال مباشر بعمليات التعبئة.

ويرى خضير أن مشروع تحلية المياه “سيكون بمثابة منقذ للمواطنين، يمكنهم من شرب مياه نقية على أقل تقدير”. ويتفق معه المواطن أحمد عبود، الذي أكد أن “تحلية مياه البحر ستعيد التوازن لمنطقة جنوبي العراق بشكل خاص”.

كما أضاف: “بصفتي من سكان البصرة، أعتقد أن هذا المشروع سيحظى بأهمية كبيرة، فهو ليس فقط لتزويد السكان بمياه نقية، بل هو مشروع تنموي واقتصادي”.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/08/01



كتابة تعليق لموضوع : مشروع تحلية مياه البحر في البصرة.. خطوة حاسمة نحو حل أزمة المياه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net