مواقع التواصل وهدم السلطات اللغوية
هاشم الصفار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هاشم الصفار

لم يخطر في بال اللغة العربية يومًا أن تقع في فخ مواقع التواصل التي عملت على تقويض دعائمها بكثرة استسهال الأخطاء اللغوية النحوية منها والصرفية، فما إن تطالع نشرًا من هنا، أو جدلًا من هنا، حتى تهالكَ كوارثُ الاستعمال السيء لمفردات اللغة، وأخطاء الصياغة والإملاء، وهم يقدمون كالعادة مبررات السرعة، وضيق وقت العناية باللغة، فضلًا عن قولهم بأنّ عصر بريقها قد ولى واندثر، وحلّ محلها عصر اللغات الأجنبية، واللغة الدارجة، والمصطلحات المستوردة، والكلمات التي فقدت آليات الانتماء.
ولا نعني لزومًا الأخطاء اللغوية حصرًا بقدر وعينا بحجم الخطر المحدق بلغتنا الجميلة؛ حين يكون التوظيف سيئا لا يرقى لجماليات لغتنا العريقة، فهي بطبيعة الحال لا تقتصر على مستواها التركيبي والدلالي، بل يندرج تحتها العمق الفني والأدبي للغة؛ بوصفها وعاء تتآصر فيه الأفكار والمعاني، فلا تخير حسن اللفظ يغني عن المعنى، ولا ألق المعاني هي بمنأى عن لطف الصياغة، وجميل اختيار الألفاظ.
وكما أن حسن الخط يزيد الحق وضوحًا وبهاء، وأن ديباجة الشكل تعطي رونقًا أخّاذًا للمحتوى الفكري أو الثقافي المتضمن، فإنّ أخذ مساحة لشهيق التأمل، وفسحة الاعتبار، لطرح يليق بشخصية الكاتب العربي، واحترام ما يلقيه في يمّ الأسفار من معانٍ مشوقة، لهو السبيل الواضح لولوج مضمار القصد، وضمان أسر وجدان التلقي.
لذا فهي دعوة خالصة لتشذيب مواقع التواصل – بعد هيمنتها على الواقع التواصلي – من مساوئ الاستهانة بقيمة اللغة العربية، وعمق هويتها التاريخية والحضارية، والعمل على ترصين استعمالاتها على النحو الذي نحترم فيه ذواتنا، بل نحترم ما تبقى من بريق اللسان العربي؛ فلغة الضاد قادرة – بما تمتلك من سحر وبيان - على النهوض، والتجدد، وإحراز الظفر، وصعود القمم، فهي – كانت، ومازالت، وإلى أن يشاء خالقها وحارسها سبحانه - المرآة العاكسة لكل تطلعات العقل العربي أدبًا وعلمًا ومعرفة في النمو والتقدم في كل مجالات الحياة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat