صفحة الكاتب : سعد الكعبي

كيف نعيش؟ أم لماذا نعيش؟
سعد الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

حين تنفصل الوسيلة عن الغاية

الحضارة التي لا تعرف لماذا تبني، ستنهار حتمًا تحت ثقل ما تبنيه!

سعد محمد الكعبي

في خضم سباق البشرية المحموم نحو تسخير الذكاء الاصطناعي، واستكشاف المجرات وتحسين الأداء البشري بالتكنولوجيا الحيوية يبرز سؤال وجودي بسيط في صيغته عميق في آثاره هل أصبحنا نركض خلف كيف نعيش؟ ونسينا أن نبحث عن لماذا نعيش؟.

 

لقد تحوّل جوهر الحياة في الوعي الجمعي من غاية إلى وسيلة. لم تعد الحياة تُقاس بمعناها بل بمداها في عدد سنواتها، في عدد الأجهزة الذكية التي نمتلكها، في مدى سرعة الإنترنت وقوة السيارات ونعومة الواجهات الرقمية, هذا التقدم الظاهري يخفي وراءه عطشًا وجوديًا حقيقيًا لا ترويه المعادلات الفيزيائية ولا تشبعه تطبيقات التأمل الرقمي.

 

المفارقة المُقلقة أن أعظم اكتشافات الإنسان اليوم لا تفتح بابًا على الإجابة عن لماذا نحن هنا؟ بل تحوم حول سؤال كيف نبقى هنا أكثر؟. نحن نصمم أدوات للعيش، دون أن نسأل أنفسنا ما قيمة هذا العيش إن خلا من الغاية؟.

لقد انفصل المسار التكنولوجي عن البوصلة الروحية. ففي الوقت الذي يُطوّر فيه الإنسان تكنولوجيا محاكاة الدماغ، ويتنبأ بمستعمرات بشرية على المريخ، تتفشى أزمات المعنى ويزداد الاكتئاب وتكثر محاولات الانتحار. في مفارقة مؤلمة لم يكن الإنسان يومًا أكثر تطورًا في أدواته وأقل وضوحًا في رؤيته عن نفسه.

هذا الانفصال لا يعكس فقرًا في الإمكانات، بل خللاً في التوازن بين الداخل والخارج. الحضارة التي لا تعرف لماذا تبني ستنهار حتمًا تحت ثقل ما تبنيه.

إن سؤال لماذا نعيش؟ ليس سؤالًا ميتافيزيقيًا يُطرَح في صوامع المتصوفة فقط، بل هو سؤال أخلاقي وفلسفي وسياسي بامتياز أمة لا تعرف لماذا تريد التقدّم، ستبني ما قد يهدمها لاحقًا.

ولعل العودة إلى المعاني البسيطة كالقيم، الحق، الرحمة، الصبر، الغاية

هو الطريق لإنقاذ الإنسان من الغرق في ماديّاته. لا بد أن نعيد وصل العلم بالحكمة والتقدّم بالقيم والتكنولوجيا بالروح.

وختامًا، لا يسعنا إلا أن نستدعي قول الشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه:

العيش جميل، لكن معرفة السبب الذي نحيا من أجله هو الجمال كله.

ليكن سؤال لماذا نعيش بوصلتنا، في زمنٍ غرق في سؤال "كيف نعيش؟.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سعد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/07/26


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • الوراثة الثقافية الرقمية, كبسولة زمنية للكون، لا للأرض  (المقالات)

    • وزارة العمل..بلا فقراء !!  (المقالات)

    • د.نوفل ابو رغيف بؤكد تفاؤله بالاصلاحات العامة التي أطلقتها الحكومة العراقية وانعكاسها الايجابي على واقع الطفولة العراقية  (نشاطات )

    • د. نوفل ابو رغيف:الثقافة مشروعنا الدائم للارتقاء بالمواطنة  (نشاطات )

    • رئيس العلاقات الخارجية حسن شويرد والسفير الروسي يؤكدان ضرورة تعزيز العلاقات الثنائية وتفعيل لجان الصداقة البرلمانية بين البلدين  (أخبار وتقارير)



كتابة تعليق لموضوع : كيف نعيش؟ أم لماذا نعيش؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net