الإنتفاضة الشعبانية... أكبر من أن تحتويها قصة
احمد طابور
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احمد طابور

السياسة صيرت من المثقف انتماء قسريا ورقابة سلطوية مباشرة جعلته يعيش تفاصيل واقعه السياسي، فالهم السياسي موجود في ثنايا الاسطر وجوانب الكلام، وعلى هذا لابد ان نجد تداعيات واسقاطات لا وعي هي عبارة عن افكار سياسية ـ الهجرة القسرية، معاناة النفي، الابتعاد الروحي عن الوطن... كلها امور سياسية، اضافة الى مشاركتي الفعلية في الانتفاضة، ونيلي شرف الجرح الذي جعل مني اديبا، أي ان الادب كان عندي نتيجة من نتائج هذه الجراح... والإنتفاضة الشعبانية المباركة أكبر من ان تحتويها قصة انهكها التكثيف، وشذب التكنيك تفاصيلها المهمة، لكونها كشفت للعالم الصوت الشعبي الحقيقي، وكشفت عمق الرفض لكنها يوميات كتبت بعدسة تصوير تم التقاط احداثها لتصور على ورق.
تلك التدوينات قومتها المؤثرات ومنها توجيهات أديب عراقي عاش ومايزال المهجر (سويسرا) اسمه (نجاح سراج، صبحي الوائلي) الاسمان لشخصية واحدة، ومنه رسمت الخطوة، فالسياسة غير الانتماء الموجه المحدد الذي يجعل من السياسة غاية كلية المعنى، والابداع حقيقة لايتقولب.
والغربة باعتبارها الانتزاع القسري من المكان تجني كبير على الانسان ـ حياته ـ مشاعره ـ رؤاه ـ المكان هاجس كبير خاصة عندما يتوهج بالقداسة كما كربلاء، اشعر وما زلت ان لا مكان يمكن ان يحتويني سواها ـ دول عربية ـ اوربية ـ سويسرا الموصوفة بجنة الله على الارض، لم تقدر ان تسلخني لحظة عن كربلاء ـ في تكويناتي الادبية والحياتية، ولذلك عندما سنحت لي الفرصة كانت العودة اقرب، وقررت ان لا اخرج بعد من كربلاء..
في طبيعة الحال تستطيع ان تجد هذه الهواجس واضحة في مجموعة (وجع الأمكنة) فلو تقرأ (رائحة المكان) من المؤكد أنك ستشم رائحة كربلاء موجودة وبقوة، لكونها ترتبط بروابط مقدسة لا تخضع لاسلوبية المحاور الخشنة، فمن يمتلك قلبا لا يستطيع ان يلغي دورها المقدس في حياة الانسان في يوميات منتفض. هناك قلائد اخرى لأبطال لم يسلط عليهم الاعلام بما يستحقونه، تواجدوا في يومياتي بقوة امثال (لازم) صاحب الدراجة البصراوية، وفي قصة (شموس على ضفاف رصيف) رصد مصور عن عملية اغتيال ابن الطاغية...
أما عن الرياضة باعتبارها تمنح المفكر نشاطا ذهنيا، وخبرة حركة داخل ثنائيات الموضوع ـ فمن إحدى قصص مجموعة (وجع الأمكنة) كان حضور الرياضي واضحا من حيث عضلات بارزة للساعدين، رفع اكمام القميص ما فوق العضلة، أضف الى ايقاع الركضة من الهروب، استلام ذهني رياضي لايمكن ان يستوعب من قبل ذهنية غير رياضية لتعميق جذرية الركضة.
بعض الاصحاب من الذين كانوا يعتنقون الوجودية، امتلكوا تمردا داخليا انتج انزياحات انسانية خطيرة، لكنهم استعادوا في الغربة توازنهم النفسي لكونهم عاشوا الصراع على حقيقته واتجهوا الى الدين بقوة، فساهموا في بناء مراكز اسلامية، وسعوا لتشييد حسينيات ـ ففي الغربة تصبح المناجاة مع الله سلوة للقلب، واطمئنانا للروح.
كنت احاول في الغربة مد اواصر التواصل مع مثقفي العراق، وخاصة مع ادباء كربلاء ـ فوجدت في بعض المواقع صدى الروضتين، الم اقل لك اني كنت مؤمنا انه لا يمكن لسحر العالم وجماله ان يسلخ مني هويتي ـ تابعتها فرأيت بعد عودتي ان الاعلام الديني اصبح مسؤولية اكبر من تبعات الاسم المستعار والمواقع المؤدلجة، فوجدت هنا فعلا من يخدم العراق باخلاص.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat