مشكلة الحياد السلبي في ساحة الصراع والتحديات ح1
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربّك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ) العنكبوت : 10
إن الرسالة الإسلامية منذ أعماق تأريخها تواجه الكثير من التحديات في ساحة الصراع , وقد واجهت الرسالة - وتواجه - في صراعها مع أعدائها ومناوئيها , نوعين من التحديات :
النوع الأول : الموقف الخارجي : وهو ما يتمثل في تعبئة الكثير من المخططات ضد رسالة الإسلام , وهي تحاول أن تقضي على وجودها , وتطفيء جذوتها في نفوس المؤمنين بها , وترد المسلمين من بعد إيمانهم كفارا حسدا من عند أنفسهم .
( ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير ) البقرة : 109
وليس لهذا النوع من التحدي حدود زمنية أو تأريخية , بل أنه نشأ منذ بزوغ فجر الرسالة ليمتد إلى أبعد نقطة من وجود أمّة الرّسالة ورسالة الأمّة , فهذه المخططات والتحدّيات تعمل على زحزحة الموقف الإيجابي للأمّة عن خط المواجهة , ليتسنى لها تمرير ما تريده من الكيد والمكر ضد الأطروحة الإسلامية العادلة , ولتقضي على هذا الإلتحام والإندماج بين الأمة ورسالتها .
النوع الثاني : الموقف الداخلي , أي : ممن يحسبون أنفسهم من المؤمنين بالرّسالة , وهو مما يندرج في نطاق التحدّي لمسيرة الرسالة في حياة الأمة , ويتمثل هذا الموقف , في مشكلة الحيادية في خط الصراع الصريح بين الرسالة وخصومها .
فقد ألمحت الآية 10 في سورة العنكبوت , إلى هذه المشكلة في واقع الصراع والتحدي , من قبل بعض الناس بما يلتزمونه من الموقف الحيادي في خضم الصراع بين الإسلام وخصومه , وتعرض أتباعه إلى الأذى والإضطهاد والتعذيب والتنكيل والمشاق والمعاناة .
فقد ظهرت مشكلة الحيادية لدى أناس كانوا يعدون أنفسهم مع المؤمنين بهذه الأطروحة الجديدة , ولكنهم يؤمنون بها مادامت تجلب لهم نفعا , وتخلصهم من عناءآت وأتعاب الحياة .
ومن أمثلة الحيادية منذ أعماق التأريخ , ما كان يتحرك في نفوس البعض من موقف تجاه الفتنة التي بين الإمام علي (عليه السلام ) وخصمه معاوية بن أبي سفيان , حيث إلتزمها أناس كثيرون , في صدارتهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر , الذين قال فيهما أمير المؤمنين (عليه السلام ) : ( إن سعدا وعبد الله لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل ) .
وغيرهما الكثير من الناس الذين يحسبون أن الحيادية وسيلة تخلص من المسؤولية الشرعية تجاه الصراع القائم بين الطرفين , وأنها نجاة من التورط في الفتنة القائمة , رغم معرفتهم بكل من الخطين , ورغم وعيهم من هو على الحق ومن هو على الباطل .
لذا كان يقال عن البعض : ( أن الصلاة مع علي ( عليه السلام ) أقوم , والطعام عند معاوية أدسم , والجلوس على التل أسلم ) لآنهم كانوا يرون أن عليا ( عليه السلام ) هو رجل الهدى والحق منذ أول وهلة من التأريخ , وأن الحق معه يدور أنى دار , وأنه رجل الإيمان والعدل والنزاهة والإخلاص والعبادة والإنقطاع إلى الله عزوجل .
لذا أن الصلاة معه أقوم في الوقت الذي كان معاوية يرفع الأذان ويصلي , لكنه رجل لا يبالي أن يملأ البطون من كلّ ما لذ وطاب , ويملأ الأيدي بكل ما يحلو له من صفراء وبيضاء بيت مال المسلمين , غاية الأمر إذا دقت نواقيس الحرب والمواجهة بينهما , فالجلوس على التل أسلم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat