الزواج مطلب فطري... ما هي عقباته؟ الحلقة الخامسة
الشيخ عبد الرزاق فرج الله
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

ولاشك ان النظر الى التفاوت الطبقي الاجتماعي، واستبعاد العقل والدين والخلق عن المقايسة، هي نظرة جاهلية، حيث كان التصور السائد، ان المملوك اذا تزوّج من حرة خرج الولد هجينا، وكذا العكس حتى روي ان احد المماليك تزوج حرة من العرب، وفي عصر الاسلام، فأرسل إليه ابو سعيد والي الدولة الاموية على المدينة فنتف لحيته وحاجبيه وجلده مئتي سوط، واجبره على مفارقة زوجته، فمدحه احد الشعراء بقوله:
حمى بيض اللحوم بنات قوم *** وهم تحت التراب ابو الوليد
وفـي المئتيـن للمـولى نكـال *** وفي نتف الحواجب والخدود
وهـذا الأمـر أقرب للموالي *** وأصهار العبيد الى العبيد
بينما كانت سيرة رسول الله - صلى الله عليه وآله - قد قضت على هذا العرف الجاهلي الذي كان سائدا، وذلك بتزويجه (زينب بنت جحش) وكانت ذات حسب وجمال من مولاه (زيد بن حارثة) الذي كان قد تبناه رسول الله - صلى الله عليه وآله -: (وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس اليه وورّثه من ميراثه حتى انزل الله (ادعوهم لآبائهم) الى قوله (ومواليكم) فردوا الى آبائهم، فمن لم يعلم له أب كان مولى واخا في الدين) صحيح البخاري 7/7.
وكان زواجه من (زينب بنت جحش) كسرا للعرف الجاهلي الذي يقضي بأن شريفة النسب لا تُزوج من مملوك، ونفيا للبنوة التي يترتب عليها الميراث حيث تزوجها بعد ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله - مضافا الى ذلك ما جاء في حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله -: ايما رجل كانت عنده وليدة فعلّمها فأحسن تعليمها، وأدّبها فأحسن تأديبها، ثم اعتقها وتزوّجها فله اجران) صحيح البخاري 7/6.
وفي جانب من طلبات أولياء الامور أمام الخاطبين هي طلبات مادية حيث يجد الخاطب نفسه امام شبح مخيف من المهر سواء على مستوى المهر المتقدم او على مستوى المتأخر الذي يتعهد الزوج بأدائه عند الطلب.
ولاشك ان المردود لهذه المطالب المادية هو: الإرهاق المادي والنفسي معا بدل السعادة المأمولة، فان المهر المتقدم الباهظ يتسبب عادة في استنزاف كل طاقات الزوج، واستفراغ جهوده في توفير ما هو مطلوب منه صرفه على المظاهر الاولى للعش الزوجي، ويبقى بعد ذلك مطالبا بمتابعة السير الحثيث والمضني الى آخر أشواط الحياة الزوجية، مثله كمن يبدأ شوط السباق بجهد فائق، ويستفرغ طاقته في بداية خطواته مع أن وراءه مسافة أطول في هذا المضمار تتطلب منه جهدا اكبر، بينما لو بدأ شوطه بعملية احماء تدريجية يستطيع بعدها اكمال الشوط بوافر قوته لكان اجدى للنجاح والفوز.
فيا ترى لو عجز الزوج في ربع الطريق او منتصفه، عن توفير ما هو جديد للحياة الزوجية فهل يعود للحياة الزوجية طعم؟ لا لشيء إلا لأن زوجته في بداية الطريق قد استفرغت كل ما عنده من امكانات مادية.
واما المهر المتأخر الباهظ، فسيرهقه نفسيا لأنه يشكل عامل تهديد لعلاقته الزوجية، إذ يتخوف في حال من الاحوال ان القيمومة التي هي من حقه بمنطق الشريعة، فاذا ما أرادت الزوجة ان تنفذ ذوقا من أذواقها أو تصرفا من تصرفاتها، فانه قد لا يستطيع أن يجعل لكلمته النفوذ، حتى لو كان ذوقها يتعارض مع مبادئ الشريعة احيانا لأنه يرى نفسه محكوما لمطالبها المادية قبل كل شيء، ولا ندري أين ذهب أولئك عن نصوص وسيرة النبي - صلى اللهُ عليه وآله - في شأن المهور وغلائها؟
(فعن أنس بن مالك ان رسول الله - صل الله عليه وآله - أعتق صفية وجعل عتقها صداقها) صحيح البخاري 7/6
عن أبي حازم عن أبيه عن سهل، قال: مر رجل على رسول الله - صل الله عليه وآله - فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وان شفع ان يشفع، وان قال أن يسمع، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح وان شفع ان لا يشفع، وان قال أن لا يسمع، فقال رسول الله - صل الله عليه وآله -: هذا خير من ملء الارض مثل هذا) صحيح البخاري 7/8.
وعن ابي عبد الله عليه السلام يقول: (ليس للمرأة خطر، لا لصالحتهن ولا لطالحتهن، اما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة بل هي خير من الذهب والفضة، واما طالحتهن فليس من خطرها التراب بل التراب خير منها) الوسائل 20/47.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat