مميزات نهج البلاغة الأسلوبية
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مميزات نهج البلاغة الاسلوبية، تدحض رأي من يرى النهج محدثا من صنع فصحاء الشيعة، بحجة طول الخطب وكثرتها، وكأن المعلقات الشعرية أهم وأعظم، وبحجة امتلاك النهج لنبوءات غيبية، وأوضح الامام علي عليه السلام هذا اللبس حين قال: (ليس هو بعلم غيب، وإنما تعلم من ذي علم)، وأم سلمة زوجة النبي (ص) أخبرت الناس بمقتل الحسين قبل كربلاء.
 وكذلك بحجة امتلاك النهج الى النبوءات العلمية المتأخرة، مالنا ومن يستكثر على علي عليه السلام الحكمة السامية، وهو الذي نشأ في مهد الحكمة، وكتب عن حركة الأرض وسكونها قبل (غاليلو، وكوبرنيك، ونيوتن)، وبحجة اشتمال خطب نهج البلاغة على اصطلاحات وجدت في القرون المتأخرة، وهي مصطلحات رسالية مثبتة، ولا يمكن ان يدحضها تعب بعض الذين لا يعرفون ثمن الحكمة، والدليل بأن قوافل رواد التعبيرية الانشائية استرشدوا بكلام علي عليه السلام بخطبه وبكتبه، ابن أبي الحديد المعتزلي قال عن النهج: (إنه دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوق).
 ويستغرب الجاحظ بأن يخرج ابن مكة، وهو اعرف بالحكمة من افلاطون وأرسطو، ابن قريش المشهورة بالتجارة، يخرج أعرف من سقراط بالآداب النفسانية..! وتبقى مميزات نهج البلاغة فريدة؛ كونها لا تتحدد بزمان أو مكان؛ لأنه عالمي وإنساني.
 ينقل الدكتور طه حسين عن الجملة (اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف اهله): ما أعرف جوابا أروع من هذا الجواب الذي لا يعصم أحداً مهما تكن منزلته، ولا يحتكر الحق لأحد مهما تكن مكانته.
 وعندما توج (شكيب ارسلان) أميراً للبيان قال: أنا لا أعد نفسي سشع نعل لعلي عليه السلام. أجمل ما في هذا الامام انه لم يكن الكلام هدفا له، بل وسيلة الى اهدافه. نهج البلاغة انموذج العلاقة بين الفكر والأسلوب، ينقل افكاره بصدق تام، ولكونه ابتعد الى ظاهرة البلاغة من اجل البلاغة، كان فعالا بمعانيه، نص يخرج من رحم اللغة مثل الوليد الجديد، فالنص هو المضمون والشكل، العمق الفكري ماثلا في الحركة البحثية. النص في نهج البلاغة اشتمل على نحو ثلاثمائة خطبة، ومائة رسالة، وخمسمائة حكمة، حضور ابداعي فكري تعبيري على مستويين الشفهي والتحريري.
 كان الامام علي عليه السلام يباشر عمله الابداعي العفوي القولي، فيأتي النص ارتجالاً، مثل النص المكتوب اتقانا وروعة، فامتاز النهج بنية الخطاب والفضاء المعنوي، ولخص (الحوفي) مميزات نهج البلاغة: موائمة المفردة، قوة التعبير، سهولة التعبير، قصر الفقرات، كثرة الصيغ الانشائية: كالأمر، والنهي، والاستفهام، والترجي، والنداء، والقسم، والتعجب، وهي أقوى من الصيغ الخبرية، ومن ثم الوصف، وهذا يعني وجود تدفق تعبيري، وتسلسل منطقي، وضخامة اللفظ، وتوسع في الخيال والافتراض الحدسي الصافي.
 

الموضوع السابق ثرثرة على القيم والمبادىء

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat