صفحة الكاتب : مهدي عبدالله التميمي

 من خيبر الى ايران.. العداء اليهودي للإسلام
مهدي عبدالله التميمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يطرح التاريخ سؤالًا عميقًا يتشابك فيه الوعي القرآني بالتاريخ مع التحليل السياسي للواقع"يقول: هل العداء اليهودي للإسلام عداء أزلي؟

وهل هو صراع بين التوراة والقرآن، أم هو نزاع على التاريخ والنبوة والاصطفاء؟

وهل أنكر اليهود نبوّة محمد (ص) لأنهم جهلوا أمره، أم لأنهم عرفوه فاستكبروا؟

الإجابة الشافية لا تحتاج إلى كثير من الاجتهاد..

فمنذ البدايات الأولى للإسلام، اتسم الموقف اليهودي تجاه النبي محمد (ص) بالتوتر والتعقيد... موقف اختلط فيه الحسد بالكِبر، والتأويل بالمصلحة، والعقيدة بالسياسة.

ان القرآن الكريم يقرّ أن اليهود يعرفون النبي كما يعرفون أبناءهم:

﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾ [البقرة: 146]

ومع ذلك، جحدوا النبوة المحمدية، لا عن جهل، بل عن معرفة مقرونة بالعناد.

عداؤهم للإسلام لم يكن رفضًا طارئًا، بل موقفًا عقديًا من رسالة تنسف "الاصطفاء الإلهي" الذي خصّوا به أنفسهم، وتختم النبوة بنبي عربي قرشي، أميّ.

 

• بين الدين والهوية: ماذا يرفض اليهود؟

تتفرع من هذا السؤال أسئلة أخرى:

هل عداؤهم موجه للعرب كأمة، أم للإسلام كعقيدة؟

وهل العداء خاص بالشيعة الإمامية، أم ممتد لكل من يقاوم المشروع الصهيوني؟

في الخطاب القرآني، لا يظهر العداء اليهودي كحالة عنصرية ضد العرب، بل كرفض لمنظومة التوحيد التي جاء بها الإسلام. فالقرآن يتحدث عن اليهود كجماعة:

-نقضت العهود والمواثيق،

-حرّفت الكتاب،

-قتلت الأنبياء.

﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ [البقرة: 87]

﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [آل عمران: 21]

﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة: 120]

لم يكن العداء إذن، لطبيعة العرب كعرق، بل لما مثّله الإسلام من تهديدٍ عقائديٍّ مباشر لمزاعم الاصطفاء اليهودي.

 

• خيبر وما بعدها: هل يكرهون الإمام علي (ع)؟

ثمة موروث في المخيال الإسلامي المقاوم"بأن اليهود يكرهون الإمام علي بن أبي طالب (ع) لأنه:

-قتل "مرحب" أشهر مقاتليهم،

-كان السبب في فتح خيبر،

-شكّل امتدادًا للتهديد الذي مثّله النبي محمد (ص) لهم.

هذا الاعتقاد يُقرأ بوصفه امتدادًا للعداء الأكبر للإسلام، لا لشخص الإمام علي(ع) فقط.

بل إن بعض الأدبيات الصهيونية ترمز لعلي باعتباره "قوة اقتحامية كسرت هيبة اليهود" في التاريخ العربي الإسلامي.

ومع ذلك، لا يُظهر الفكر الصهيوني تمييزًا جوهريًا بين السنة والشيعة؛ بل يعتبر كل معارض للمشروع الإسرائيلي ـ بغضّ النظر عن مذهبه ـ خصمًا استراتيجيًا.

 

• اليوم: إيران كعدو عقائدي؟

في العصر الحديث، يتجلى العداء الصهيوني تجاه إيران، لأنها تقف عقائديًا وسياسيًا ضد إسرائيل.

ويُترجم ذلك العداء تجاه حلفائها أيضًا: من حزب الله في لبنان، إلى فصائل المقاومة في العراق واليمن، خاصة في ظل الدعم الذي تقدمه تلك القوى للمقاومة الفلسطينية.

وبالتالي، فعداؤهم للشيعة ليس مذهبيًا بحتًا، بل سياسي عقائدي ضد أي تهديد فعلي لمشروعهم ولذلك فإن العداء موجه لكل من يرفض المشروع الصهيوني، لا لمن يعتنق مذهبًا بعينه.

 

 

• عداء أزلي أم استراتيجي؟

القرآن لا يعمّم الحكم على جميع أهل الكتاب:

﴿لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾ [آل عمران: 113]

وهذا يعني أن العداء ليس مرتبطًا بالهوية اليهودية في ذاتها، بل بالمواقف والعقائد والمشاريع.

فما دام الإسلام يناقض دعوى التفوق العرقي والديني، ويختم النبوة، وينسف هيمنة "الشعب المختار" — سيظل الصراع قائمًا.

 

•شواهد تاريخية تعزز "جذور العداء"

1. نقض يهود المدينة للعهود

قبائل يهودية مثل بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة خانت المواثيق مع النبي محمد (ص) وتحالفت مع قريش وغطفان.

وفي غزوة الأحزاب كان ليهود بني قريظة دور خطير في دعم الحصار ضد المدينة، رغم ميثاق التعايش.

هذه الوقائع موثقة في السيرة النبوية ويدعمها نص قرآني واضح:

 ﴿الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ﴾ [الأنفال: 56

 

2. التحريض على قتل النبي (ص).

روى ابن إسحاق أن مجموعة من يهود بني النضير حاولت إلقاء حجر على النبي (ص) عندما زارهم.

كما ورد في التلمود دعوات صريحة ضد "الأنبياء الكذبة"، وهي تهمة ألصقوها بمحمد(ص) بعد أن فشلوا في "احتوائه".

 

3. مواقف الحاخامات من الإسلام

بعض كبار الحاخامات، كـموسى بن ميمون (الرمبام)، تعاملوا مع الإسلام باعتباره "ديانة توحيدية ناقصة"، ورأوا في محمد (ص) شخصية تاريخية عدوة لليهود، رغم أنه اعترف بالتوراة الأصلية.

 

ثانيًا: نصوص من كتبهم (التوراة، التلمود)

من العهد القديم:

1. سفر التثنية 7: 1-2:

 "حين يأتي بك الرب إلهك إلى الأرض ... ويدفع أمامك الأمم ... لا تقطع لهم عهدًا، ولا تشفق عليهم."

يُفهم هذا النص — بتفسير صهيوني معاصر — على أنه دعوة لاستئصال كل من ينازع "شعب الله المختار" السيادة.

 

2. سفر يشوع 6:

 "حرّموا كل ما في المدينة ... الرجال والنساء، الأطفال والشيوخ، البقر والغنم والحمير، بحدّ السيف."

وهذه النصوص تشكّل جزءًا من خلفية "اللاهوت الإقصائي"، الذي يتمثل اليوم في سلوك الاحتلال ضد الفلسطينيين.

 

من التلمود:

1. "غير اليهود ليسوا بشراً، بل حيوانات خلقت لخدمة اليهود" – (التلمود البابلي، كتاب العِبَر).

2. "كل من يرفض التوراة يُعدّ كافرًا يستحق الموت"

3. "عيسى وأمه مريم – عليهم السلام – ساحران يعذبان في الجحيم" – نص مشهور ومهين للمسيحية.

مع الإقرار بأن التلمود لا يمثل بالضرورة عقيدة كل اليهود، فإن بعض نصوصه القديمة تُستشهد بها تيارات يهودية متطرفة لتبرير العنف أو التمييز، خصوصًا في الأوساط الاستيطانية."

هذه النصوص — رغم أن كثيرًا من اليهود ينفون اليوم رسمية التمسك بها — تُعد مرجعية لتيارات يهودية متطرفة، خصوصًا في المستوطنات وداخل المؤسسة الدينية الصهيونية.

 

ثالثًا: استقراء لمصير الصراع: إلى أين؟

السؤال الأهم والأخطر:

كيف سينتهي هذا الصراع؟ وهل هو أزلي حقًا؟

هناك ثلاث مقاربات للجواب:

1. المنظور القرآني:

الإسلام لا يرى اليهود ككتلة واحدة:

 ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ﴾

لكن الصراع مع من ظلم وحرف وكذّب وتجبّر، مستمر حتى يأذن الله بظهور الحق:

 ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ﴾

 

2. المنظور السياسي الواقعي:

الكيان الصهيوني يتغذى على الدعم الغربي، وخصوصًا الأميركي.

لكن مع تآكل صوته أخلاقيًا، وتقدم محور المقاومة، تتعزز فرضية تراجع هيمنته في العقود القادمة، بدلالة كشف حرب غزة الأخيرة (2023–2024) عمق الهشاشة النفسية والسياسية للمجتمع الإسرائيلي.

 

3. المنظور العقائدي الشيعي والسني:

في الثقافة الإمامية، هناك وعد بظهور المهدي المنتظر (عج) الذي يطهر الأرض من الظلم، ويقود صراعًا عالميًا ضد الطغيان.

في الرؤية السنية، أيضاً يُبشَّر بنزول المسيح (ع) وقتال الدجال، وانتصار الحق في آخر الزمان.

وكلا المدرستين تُجمعان على أن نهاية الصراع ستكون بنهاية مشروع الظلم، وعودة العدالة، واندحار الاحتلال.

 

ختامًا:

الصراع مع اليهود – أو بالأدق، مع المشروع الصهيوني – ليس دينيًا ولا عرقيًا، بل صراع على النبوة والحق، وعلى الذاكرة والمستقبل."

وفي حين أن جذور العداء ضاربة في التاريخ، فإن نهايته لا يُحدّدها الغضب فقط، بل الوعي، والمقاومة، والمشروع البديل.

  ﴿قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81]

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مهدي عبدالله التميمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/06/21



كتابة تعليق لموضوع :  من خيبر الى ايران.. العداء اليهودي للإسلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net