آفاق قرآنية : حقيقة المد (3)
علي الخفاجي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي الخفاجي

.... وكأنما دلت كل حركة من الحركات الثلاث على ما يلائمها من الألف والواو والياء، بعد سقوط هذه الحروف- في الدرج- لفظاً.
وحروف المد عبارة عن أوعية صوتية، سرعان ما تنصبّ فيها حركات الحروف التي قبلها، وتتناغم في سكونها، فعند سقوط حرف المد؛ تبقى الحركة ملازمة لحرفها، ولعل سائل يسأل: في قوله تعالى:{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}النحل/128. أليس في كلمة (اتقوا) لين يمنعها عن الإدغام فيما بعدها؟
والحقيقة إن مد اللين الذي يقع لحرفي الياء والواو؛ يحصل في المقطع الثلاثي الذي {أوله مفتوح وثانيه ياء أو واو ساكنة وثالثه ساكن بسبب الوقف) أي يحصل ذلك حال الوقف، كما في: يوم وصيف. وكلمة {اتقوا} ليست مقطعاً ثلاثياً؛ إنما هي مقطع زوجي (أوله مفتوح وثانيه حرف لين ساكن) وبعد... ما هي العلة في إطالة الصوت في (حرف المد) إذا جاء بعده همز أو سكون؟
بعدما عرفنا إن حرف المد خفي وضعيف، وإذا جاور الهمزة التي في غاية الظهور والقوة؛ كان ذلك كالجمع بين الضدين، كما في: سآء- يسوء- سئ. نلمس في ذلك: حين النطق بحرف المد؛ تنفرج فتحة المزمار، ويجري مع الهواء بسهولة وليونة، وإن شئت إلى انقطاع النفس، أما حين النطق بالهمزة؛ تنطبق فتحة المزمار بإحكام وتحبس النفس، ثم تنفرج فجأة لتنبر بالهمزة، مما يتطلب في ذلك جهد يباين النطق بحرف المد. وأمام هذه الحالة ولخلق المناسبة بين هذين المتباينين المتجاورين؛ لا بد من إطالة صوت حرف المد حتى يظهر، وللتمكن من النطق بالهمزة على حقها من شدتها وجهرها، ونكون بذلك قد حافظنا على حرف المد من السقوط والاختفاء، وحرصنا على الهمزة من الضعف والتلاشي، ولكي لا ينتقل اللسان من الأخف إلى الأثقل دفعة، فالإسراع في نطق الكلمة يؤدي إلى الإخفاق في تحصيل الغايتين.
ففي التفريط في تحصيل ذلك (خصوصاً) إذا لم نمد حرف المد كما في الشواهد المتقدمة وغيرها؛ لا يعطينا المعنى المقصود من الكلمات المفروضة...
علي الخفاجي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat