اشارات قرآنية في كتاب حياة الامام الجواد للشيخ القرشي (ح 2)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في كتاب حياة امام محمد الجواد عليه السلام للشيخ باقر شريف القرشي: الخمس: روى الشيخ في الصحيح عن عليّ بن مهزيار قال: (كتب إليه أبو جعفر عليه السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكّة، قال: إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه، وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كلّه خوفاً من الانتشار، وسأفسّر لك بعضه إن شاء الله: إنّ مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا قال تعالى: "خُذْ مِن أموالهم صدَقةً تُطهِّرهمْ وتزكِّيهم بها وصلِّ عليهم إن صلاتك سكنٌ لهم والله سميع عليمٌ * ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذُ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم * وقُلِ اعْمَلُوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تَعمَلُونَ" (التوبة 103-105). ولم أوجب عليهم ذلك، في كلّ عام ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحوه في تجارة ولا ضيعة إلاّ في ضيعة سافسّر لك أمرها تخفيفاً منّي عن موالي، ومنّاً منّي عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام قال الله تعالى: "واعلمُوا أَنَّما غنمتُم من شيءٍ فأنَّ للهِ خُمُسهُ وللرَّسُولِ ولذي القُربى واليتامَى والمساكينِ وابنِ السبيلِ إن كُنتُمْ آمنتم باللهِ وما أنزلنَا على عبدنا يومَ الفرقانِ يومَ التقى الجمعان والله على كلِّ شيءٍ قديرٍ" (الأنفال 41) فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها. والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة، فقد علمت أنّ أموالاً عظاماً صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصله إلى وكيلي، ومن كان نائياً بعيد الشقّة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين، فإنّ نيّة المرء خير من عمله، فأمّا الذي أوجب من الضياع والغلات في كلّ عام فهو نصف السدس، ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤنته، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك).
وعن علل الأحكام يقول الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه: وكشف الإمام محمد الجواد عليه السلام النقاب عن العلّة في تشريع بعض الأحكام وكان من بينها ما يلي: سئل محمد بن سليمان عن العلّة في جعل عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، وصارت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً، فأجابه الإمام عليه السلام عن ذلك: (أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد، وأمّا عدة المتوفى عنها زوجها فإنّ الله تعالى شرط للنساء شرطاً، وشرط عليهن شرطاً فلم يجابهن فيما شرط لهنّ، ولم يجر فيما اشترط عليهنّ، أما ما شرط لهنّ في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول الله عزوجل: "للذين يؤلون من نسائهم تربُّصُ أربعة أشهر" (البقرة 226) فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء لعلمه تبارك اسمه إنّه غاية صبر المرأة عن الرجل، وأمّا ما شرط عليهنّ فإنّه أمرها أن تعتدّ إذا مات زوجها أربعة أشهر وعشراً فأخذ منها له عند موته ما أخذ لها منه في حياته عند الإيلاء، قال الله عزّ وجل: "يَتَرَبَّصنَ بأنفُسِهِنَّ أربعةَ أشهُرٍ وعَشْراً" (البقرة 234) ولم يذكر العشرة الأيام في العدّة إلاّ مع الأربعة أشهر، وعلم أنّ غاية المرأة الأربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثمّ أوجبه عليها ولها).
وعن المهدي يقول الشيخ القرشي قدس سره في كتابه: روى عبد العظيم الحسني قال: قلت لمحمد بن علي: إنّي لأرجو أن يكون القائم من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً؟ فأجابه الإمام الجواد: (يا أبا القاسم ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزوجل، وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهّر الله عزوجل به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، هو سميّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيّه، وهو تطوى له الأرض، ويذلّ له كل صعب ويجتمع إليه أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض وذلك قول الله عزوجل: "أينَ ما تكُونُوا يأتِ بكمُ اللهُ جميعاً إنّ الله على كلِّ شيءٍ قديرٌ" (البقرة 148). فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره). لقد أخبر الإمام الجواد عن بعض خصائص الإمام المنتظر من غياب شخصه وحجبه عن الأنظار، كما أخبر عن عدد أصحابه بعد ظهوره وأنّهم كعدد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر فقد استطاع بتلك القلّة المتسلّحة بالإيمان والوعي أن يقضي على معالم الجاهلية، ويدمّر القوى الباغية، ويرفع كلمة الله عالية في الأرض، كذلك وصيّه الأعظم الإمام المنتظر عليه السلام فإنّه بأصحابه القلّة المؤمنة سوف يغيّر مجرى الحياة فيبسط العدل السياسي والعدل الاجتماعي في ربوع الأرض ويحقّق للإنسانية أعظم الانتصارات، ويقضي على معالم الجاهلية التي طغت في هذه العصور التي خضع الناس فيها للمادة، ولم يعد للقيم الروحية والمثل الكريمة أي ظلّ في النفوس، أرانا الله الأيام المشرقة من أيام حكمه.
وعن التوبة يقول الشيخ باقر شريف القرشي: وفتح الله باب التوبة لعباده، ودعاهم إلى طهارة نفوسهم، وإنقاذهم ممّا اقترفوه من عظيم الجرائم والذنوب، وقد روى أحمد بن عيسى في نوادره عن أبيه أنّ رجلاً أربى دهراً، فخرج قاصداً أبا جعفر الجواد عليه السلام، وعرض عليه ما ارتكبه من عظيم الإثم فقال عليه السلام له: (مخرجك من كتاب الله، يقول الله: "َمَن جَاءَهُ مَوْعظَةٌ من ربِّه فانتهى فَلَهُ مَا سَلَفَ" (البقرة 275) والموعظة هي التوبة، فجهله بتحريمه، ثمّ معرفته به، فما مضى فحلال وما بقي فليستحفظ). أمّا الأموال الربوية التي أخذها ـ بغير حقّ ـ فيجب عليه أن يردّها إلى أربابها ولا تبرأ ذمّته منها بالتوبة والرواية ناظرة إلى الحكم التكليفي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat