فاجعة إعدادية الجمهورية للبنين المنسية
علي عبد الكاظم
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي عبد الكاظم

في صبيحة احد الأيام المدرسية في الثمانينيات من القرن الماضي وتحديداً عام ١٩٨٠ او ١٩٨١ ، توجه طلبة إعدادية الجمهورية للبنين في منطقة الجمهورية في محافظة البصرة العراقية إلى مدرستهم من أجل العلم والتعلّم ، وفي أثناء الدوام شوهد عدد من رجال الإستخبارات تطوّق تلك المدرسة لإعتقال عدد من الطلبة - بعد إبلاغ المدير عنهم - فتم إعتقال عدد من الطلبة ممن لم يكملو الـ ١٧ من عمرهم تم إعتقالهم لأنهم - كما يزّعم المدير ـ يعملون بعد الدوام ضد النظام العفلقي والإجرامي.
كان ممن اعتقل الخال " عقيل شبيب حبيب " وهو ذي الـ ١٧ ربيعاً أسباب إعتقال هذا الشاب ورفاقه كما بلّغ به المدير - الذي تعرّض فيما بعد لعدد من الإطلاقات النارية من قبل مجموعة من الشباب - يُقال انهم أصدقاء أخيه الذي عرّضه للإعدام نتيجة عمله المخالف للحكومة - ونتيجتها تعرض لشلل بجسمه اقعده عن الحركة ولجهوده في دعم الحكومة البعثية المجرمة كرّمه المجرم صدام بكرسي - فكان سبب الإعتقال انه ومعه رفاقه الطلبة يعملون بعد الدوام ضد الحكومة -مثلاً- يقومون بالتحريض على المظاهرات او إلقاء وتوزيع منشورات مخالفة لنهجها المسموم.
قابل ورود خبر إختفاء الشاب " عقيل " قيام والده " الحاج شبيب " - والذي كتبت شيء عنه قبل فترة - بتجميع الكتب الدينية وصور العلماء الموجودة بمنزله ورميها في النهر القريب من منزلهم وذلك خوفاً من بطش قوات اللانظام الصدامي - والتي كانت تداهم منازل المعتقلين بلا ورع وأخلاق -
توجه في اليوم الثاني " الحاج شبيب " إلى إعدادية ولده على أمل الحصول على معلومة عن ولده الذي اختفى منذ ذهابه إلى الدوام - فكان خروجه بلا عودة إلى يومنا هذا - فقال له المدير : " إن ولدكم يعمل ضد الحكومة بعد الدوام فأعتقلته الإستخبارات يوم أمس" ، فستمر الحاج بين مركز واخر للبحث عن نجله الأكبر ولكن النتيجة من تلك المراكز وبخبر واحد - بعد لا تسألون عليه -.
بعد فترة عِلم الحاج إن نجله في سجن أبي غريب - ذلك السجن الذي كان من يدخله نادراً يخرج منه حي وهو سجن مرعب اعتقل فيه ملايين العراقيين منهم مئات طلبة العلوم الدينية - والمعروف إن من يدخل لهذا السجن تكون جريمته الإعدام او الحكم مدى الحياة.
كان معرفة " الحاج شبيب " بوجود ولده في ذلك السجن عن طريق احد العراقيين والذي كان فاراً من الجيش فزّج بالسجن - لفترة تأديبية - وكان ذلك الشاب قد شاهد الخال " عقيل " في السجن وبعد خروجه خبّر المرحوم الجد.
بعد سنوات تسلّمت عائلة " عقيل " رسالة من البعثيين تخبرهم إن ابنهم اصبح مجاهد فكان مكتوب على الورقة " المجاهد عقيل شبيب " وبالمعنى إن الحكومة عرضت على هذا الشاب المشاركة مع الجيش في الحرب العراقية الإيرانية فوافق - ومن لا يوافق تتعرّض عائلته للإعتقال والإعدام - وقد طلبت الحكومة في الرسالة من ذويه التوجه إلى سجن أبي غريب لمعرفة تفاصيل ذلك.
فتوجه " الحاج شبيب " إلى سجن ابي غريب في بغداد - العاصمة - لمعرفة خبر عن ولده وتفاصيل هذه الرسالة فكان جواب المسؤولين عن السجن " حجي هاي هي بعد لا تسأل على ابنك والنقطة السودة نرفعت منكم "
قصص من وجود الشاب " عقيل شبيب حبيب " هو ورفاقه في سجن أبي غريب
نُقل - كما تقدّم - عن ذلك الشاب الفار من رعب الجبهات رؤيته للشاب عقيل في السجن أثناء فترة الإعتقال .
وقد نقل أحدهم - انه في اوج المعركة الدائرة بين الإيرانيين والعراقيين - جاء المدعو طه ياسين إلى سجن أبي غريب وأمر حرّاسه بأن يهيئوا هؤلاء الشباب لإرتداء اللباس العسكري وإبتعاثهم للجبهات فكان كما حصل ولكن كيف ابتعثهم؟!
كانت عيونهم مغطاة واكفهم مربوطة بإحكام ووضعوهم في المنطقة المحرّمة بين العراق وإيران - وهي منطقة مليئة بالعبوات المفخخة - فالذي يدخل فيها لا يخرج ابدا فكان فعل المجرم طه ياسين لغرض تطهير تلك المنطقة بأرواح اولئك الشباب الذين لم يبلغوا الـ ١٧ من عمرهم ، والدخول للأراضي الإيرانية بلا خسائر بأرواح مقاتليه.
حلم الشاب " عقيل "
لم يتخلّف الشاب " عقيل " عن اقرانه الشباب فكل شاب لديه حلم يُريد ان يحققه ، فهذا الذي يرغب بأن يكون مهندس وذاك الذي يُريد ان يكون طبيباً ونادرا ما تجد شاباً يُريد ان يكون طالباً للعلم يخدم الشريعة وأيتام آل محمد ، نعم ذاك كان حلم الشاب " عقيل " والذي تحقق له في عالم الأخرة ، ففي عالم الرؤية شاهدته والدته وهو يقرأ وينعى ويبكّي أهل الجنّة على مصاب سيّد شباب أهل الجنّة صلوات الله عليه.
بعد السقوط لم يُعثر على اي خبر بخصوص الشاب " عقيل شبيب حبيب " ورفاقه إلا ما سمعه اهله خلال تلك الفترة المظلمة ، وقد رجّح بعض المسؤولين في مؤسسة الشهداء انه ورفاقه من ضمن المقابر الجماعية ولم يُعثر على رفاتهم حتى اليوم .
كتبت هذه القصة بعد مشاهدة قصة طلبة ثانوية الكاظمية والذين تعرّضوا للإعدام هم وعدد من أفراد عائلتهم بعد كتابة عبارة " يسقط صدام " على السبورة.
ختاماً لقد بقى ذكر اولئك الشباب ونضالهم ضد الطاغية ولكن اين صدام المجرم وزبانيته الكافرة المارقة عن الدين ؟ فاستذكرتهم بعد أكثر من ٤٠ سنة على إعتقالهم وإختفائهم ، ولعن الله الطغاة ولا سيما صدام الطاغية وكل من يحبّه ويحن لإيامه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat