الجدل حول بقاء القوات الأميركية في العراق.. بين دعم عسكري ومقاومة السيادة الوطنية

كتابات في الميزان / تتصاعد الخلافات حول استمرار تواجد القوات الأميركية في العراق، إذ يرى البعض أهمية استمرار الدعم العسكري الأجنبي لمواجهة التهديدات الأمنية والتوازن الإقليمي، بينما يصر آخرون على الانسحاب الكامل حفاظًا على السيادة الوطنية.

تناول تقرير لمعهد (رسبونسبل ستيتكرافت) الأميركي للدراسات موضوع انقسام الآراء في العراق بين مؤيد ومعارض فيما يتعلق باستمرارية تواجد القوات الأميركية في البلد،

فبينما تستمر أطراف بالضغط على انسحاب كامل وعاجل للقوات، فان أطرافا أخرى ترى ان هناك أهمية في بقاء الدعم العسكري الأجنبي خصوصا مع الاخذ بنظر الاعتبار استمرار تهديدات داعش وعدم الاستقرار الإقليمي مثل التطورات الجارية في سوريا، مما يشير ذلك الى مدى تأثير المستقبل الغامض على البلد في التوصل الى رأي مشترك.

مع ذلك فان تواجد القوات الأجنبية بالنسبة لرأي آخرين هو ليس عامل استقرار، بقدر ما هو مصدر لاضطرابات أمنية وتدخل أجنبي.

وقال ضياء الاسدي، وهو وزير دولة سابق وعضو برلمان سابق ترأس كتلة الاحرار للتيار الصدري “تواجد أية قوات عسكرية أجنبية لم يكن في مرة من المرات مصدر استقرار. حتى لو انه ما تزال هناك تحديات وجودية تهدد استقرار العراق، فان مواجهتها تتطلب وحدة وطنية وتنسيق إقليمي ودولي وتضامن، ولا يكون هناك انتهاك لقوانين دولية وسيادة دول. لهذه الأسباب وأسباب أخرى فان اغلب القوات الشيعية تصر على ضرورة انسحاب القوات الأميركية بأسرع وقت ممكن”.

اللامبالاة والبراغماتية

ويشير التقرير الى ان هناك شعورا متباينا يسود بين السنة في العراق يتراوح غالبا ما بين اللامبالاة والبراغماتية الحذرة. ويعرب كثير من العراقيين، من أطياف سياسية وطائفية مختلفة، عن رغبة لترتيب ذو طابع ستراتيجي وتفاوضي أكثر مما لو كان على هيئة انسحاب متسرع.

هذه الآراء التي غالبا ما تكون معقدة ومتناقضة تكشف مدى التأثير الثقيل لمستقبل غامض على بلد ما يزال يصارع من أجل التوصل لرأي جماعي مشترك.

الاسدي يظل متشككا إزاء أية مفاوضات مطولة ما دامت قوات اجنبية مستمرة بتواجدها على الأرض العراقية.
ويمضي الاسدي بقوله “ما لم تنسحب جميع القوات الأجنبية بشكل كامل وغير مشروط من العراق، فان أية مفاوضات ستتأثر بتواجدهم. جميع الذرائع والحجج التي استخدمت لتبرير تواجدهم ستفتقد لأرضية تستند عليها. موضوع المغادرة يجب ان ينظر اليه فقط من منطلق المصلحة الوطنية العراقية، ومن منظور عراقي اصيل بحت، وليس مزوقا بآراء حزبية أو طائفية أو عرقية”.

أساسا ان الجدل الذي يحيط بإنهاء تواجد القوات الأجنبية ينقسم الى مسألتين، وهي هل ان القوات ستغادر أو ينبغي لها ان تغادر؟

كما هو الحال غالبا، فان الإجابات ستكون مشروطة وغامضة. ومن المؤكد ان قوات جميع الدول ستغادر إذا أصدرت الحكومة العراقية تعليمات بذلك.

عودة قوات التحالف الى العراق عام 2014 عند تعرض البلد لغزو داعش لم تستند على التزامات ضمن معاهدة ولم تفصل اتفاقية رسمية لوضع القوات كما تم التفاوض عليها عام 2009 وانتهت صلاحيتها عام 2011. بل انها كانت حالة طوارئ ضرورية لتدارك الوضع الأمني والعسكري المنهار.

داعش

وبعد مرور 11 عاما، فلا يوجد هناك من يصر على ان داعش ما يزال يشكل تهديدا وجوديا للعراق. وقد تم الإعلان عن هزيمة داعش عام 2017، وان ما تبقى من خلايا نائمة من فلول التنظيم، تتولى القوات الأمنية العراقية، التي تم تسليحها وتدريبها من قوات التحالف، بمهام ملاحقتها.

ويرى الكثيرون انه لم تعد هناك ضرورة لبقاء قوات التحالف، وان الوقت قد حان لإنهاء تواجد القوات الأجنبية. مع ذلك، فهل يتوجب على جميع القوات الأجنبية المغادرة؟ فما يزال هناك جدل حول تنسيق أمني لفترة أطول.

هذا يعني ضمنا دعم أجنبي وربما دعم عسكري على الأرض. واشتملت اتفاقية الانسحاب على تشكيل لجنة عسكرية عليا تناقش على نحو دوري هذه القضايا وتوفر منفذا غير مباشر لمهام تدريب او نشر قوات في المستقبل.

بالنسبة للأسدي فان هذا أمر غير ضروري. ويتحجج بقوله إن جيشا وطنيا قويا بإمكانه الدفاع عن البلاد بدون الاعتماد على دعم خارجي إذا ما وفرت الحكومة التمويلات الكافية للتدريب والتسليح الحديث والإسناد الاستخباري والتحديثات التكنولوجية.

وبين الاسدي ذلك بقوله “بناء القدرة والبنى التحتية للجيش العراقي هو أفضل بكثير وأسهل من الاعتماد على قوات اجنبية”.

مشيرا الى انه يعتقد بان مبدأ الاعتماد على النفس مضاف له الدروس الصعبة التي تم تعلمها عبر خمس سنوات من حرب ضارية ضد داعش، هو القرار الصحيح.

المستوى الفني والاستخباري

أما المسؤول السابق فيعارض هذا الرأي بقوله “الموقف المسؤول من الجانب العراقي سيكون ببقاء قوات التحالف ولكن على المستوى الفني والاستخباري بالتنسيق مع قوات مكافحة الإرهاب العراقية بدلا من قوات قتالية في قواعد مؤمنة”.

وأضاف قائلا” اعتقد ان القوات الأمنية العراقية قادرة على ان تتولى مواجهة تهديدات امنية متوسطة المستوى على جبهتين، ولكن ليس بمستوى الهجوم الإرهابي لداعش الذي حصل عام 2014 الذي كان تعداد مسلحيه أكثر من 100 ألف على الحدود العراقية السورية، فالقوات الأمنية العراقية ليس بمقدورها مواجهة هذا الحجم من التهديد”.

ويذكر التقرير انه من نواحي عدة يعتبر كلا الموقفين صحيحا. فقد تضاءل تهديد داعش، وحتى في وضعها الحالي فقد صنف مؤشر، القوة الضاربة العالمي، المعني بقياس قوة جيوش العالم، قوة الجيش العراقي على انه سادس اقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط، متفوقا على الإمارات والأردن وقطر وغير ها من القوى العسكرية الحديثة في المنطقة.

ولكن مع ذلك فإن هناك ثغرات مهمة في قدرات القوات الأمنية العراقية بسبب اعتمادها المتواصل على الاسناد الخارجي، خصوصا ما يتعلق بمنظومات الدفاع الجوي الفعالة وعدم توفر عدد كافي من الطائرات المقاتلة وطائرات النقل مع عدد قليل جدا من طائرات الهليكوبتر.

بالإضافة الى ان القوات العراقية تعتمد على معلومات استخبارية غالبا ما توفرها قوات الحلفاء. وكما أشار له الاسدي والمسؤول السابق، فان الجيش العراقي ما يزال بحاجة لدعم ليقف على قدميه، رغم انهما يختلفان حول نقطة فيما إذا يتوجب تحقيق ذلك بالاعتماد على النفس أم بمساعدة خارجية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/22



كتابة تعليق لموضوع : الجدل حول بقاء القوات الأميركية في العراق.. بين دعم عسكري ومقاومة السيادة الوطنية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net