إعدام طلبة إعدادية الكاظمية: جريمة إبادة جماعية ارتكبها المجرم صدام حسين
وليد الطائي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وليد الطائي

تُعد جريمة إعدام طلبة إعدادية الكاظمية واحدة من أبشع الجرائم التي ارتُكبت في ظل نظام حكم صدام حسين، وهي تندرج ضمن جرائم الإبادة الجماعية التي استهدفت فئة الشباب المتعلم وذوي الوعي الوطني في العراق، في محاولة لقمع أي شكل من أشكال المعارضة أو التفكير الحر.
في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، شهد العراق موجة قمع شرسة شنها نظام حزب البعث ضد مختلف فئات الشعب العراقي، وكان الطلاب في المدارس والجامعات هدفًا مباشرًا لهذا العنف، لا لشيء سوى لأنهم حملوا أفكارًا وطنية أو دينية لا تتماشى مع عقيدة الحزب الحاكم.
وقد كان طلبة إعدادية الكاظمية مثالًا صارخًا على هذا البطش، حيث تم اعتقال مجموعة من الطلبة الأبرياء على خلفية انتمائهم أو تعاطفهم مع أحزاب معارضة، خصوصًا الأحزاب الإسلامية التي كان لها حضور في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.
لم تكن هناك محاكمات عادلة، بل لم تكن هناك محاكمات أصلًا بمعنى الكلمة. اُعتقل هؤلاء الفتية في سن مبكرة، وعُذّبوا في السجون، ثم نُفّذ فيهم حكم الإعدام بدم بارد. وبدلًا من أن يكونوا في قاعات الدراسة، أو في أحضان عائلاتهم، دُفنوا في مقابر جماعية أو اختفت جثثهم دون أن تعرف أسرهم مصيرهم حتى بعد سنوات طويلة.
تنبع بشاعة هذه الجريمة من كونها لم تستهدف مجرد أفراد، بل استهدفت جيلًا كاملًا كان من الممكن أن يسهم في بناء العراق علميًا وثقافيًا وإنسانيًا. فكل طالب أُعدم كان مشروع مهندس، طبيب، أستاذ جامعي، أو مفكر. لقد قُطعت أحلامهم بسيف الديكتاتورية، وأُغلقت دفاترهم بقرار سياسي أراد أن يقتل الفكرة، لا الإنسان فقط.
هذه الجريمة تُعد إبادة جماعية من الناحية القانونية أيضًا، حيث توفرت فيها الشروط التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية، خصوصًا "اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية" التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1948. فقد كانت عملية الإعدام تتم وفق سياسة ممنهجة وموجهة ضد فئة محددة على أساس انتماء فكري وديني، ضمن حملة قمعية شاملة.
اليوم، وبعد سقوط النظام البعثي، لم تَنَل هذه الجريمة ما تستحقه من التحقيق والمحاسبة، كما لم يُكرّم الضحايا بما يليق بهم. إن تسليط الضوء على هذه القضية، وإحياء ذكراهم، والمطالبة بمحاسبة الجناة والمتورطين، لا يُعد فقط واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا، بل هو ضرورة وطنية لمنع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.
ختامًا، تبقى جريمة إعدام طلبة إعدادية الكاظمية وصمة عار في جبين النظام البعثي، وشاهدًا دامغًا على أن الطغيان لا يرحم حتى الأطفال في مقاعد الدراسة. لقد كتبوا بدمهم شهادة على ظلم العصر، وستظل أسماؤهم تُروى للأجيال القادمة كرمز للشهادة في سبيل الكلمة والكرامة والحرية.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat