السيد السيستاني في مذكرات البابا فرنسيس
د . عبدالله حميد العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عبدالله حميد العتابي

صدرت في كانون الثاني من العام 2025 مذكرات البابا الراحل فرنسيس تحت عنوان (الامل: السيرة الذاتية) كتبها البابا فرنسيس نفسه بالتعاون مع كاتب السّير كارلو موسو، وصدر في اكثر من (80) دولة.
وخلال المدة بين 5 و 8 آذار 2021 زار البابا فرنسيس العراق، واعاد للأذهان خلال زيارته المباركة تلك، قيمة بلادنا الحضارية والثقافية والإنسانية، فبلاد ما بين النهرين لم تكن فقط منشأ لكثير من العلوم والابداعات الانسانية، بل هي المهد الاول لتشكيل الفكرة الدينية لدى الحضارات القديمة، وتحظى ارض العراق بمكانة رمزية في معتقدات اتباع الديانات السماوية كافة، من خلال الاعتقاد بانها كانت مهداً في الاساس لخلق آدم وحواء.
كذلك يجمع اليهود والمسيحيون والمسلمون على الاعتقاد بقصة برج بابل، وببشارة النبي يونس إلى أهل نينوى، وقبل هذا وذاك، على ميلاد النبي ابراهيم في سهل أور. والحق، تشهد شخصية ابراهيم استنهاضاً حول العالم اليوم لما تحمله من صفة جامعة، كونه (أب) الرسالات السماوية، على اختلاف اتباعها، لذلك فإن زيارة البابا إلى مسقط رأس أبي الانبياء يومذاك جاءت في إطار سعيه عما يجمع وليس عما يفرق.
ما دفعني إلى استذكار تلك الزيارة المباركة هو اللقاء التاريخي، الذي جمع المرجع الكبير آية الله السيد السيستاني مع البابا فرانسيس في دار الاول المتواضعة في النجف، ولنتوقف قليلاً عند انطباعات البابا الراحل عن ذلك اللقاء التاريخي الذي حدث في السادس من آذار 2021، من خلال قراءة مذكراته.
مما جاء في تلك المذكرات ( لقد رحب بي آية الله السيستاني في بيته بأخوة، وهي لفتة تحمل في ثقافة الشرق دلالة أبلغ من التصريحات أو الوثائق المكتوبة، اذْ تعني الصداقة والانتماء إلى عائلة واحدة. لقد لامس ذلك روحي وجعلني أشعر بالتكريم، ولم يسبق لآية الله السيستاني أن استقبل رؤساء دول، ولم يسبق له ان استقام واقفاً. الا أنه في ذلك اليوم، اكرمني بذلك مرات عدة. وبمشاعر الاحترام نفسه، دخلت غرفته حافياً. وقد اذهلني هذا الرجل بحكمته وايمانه، فهو يحمل هم العنف في العالم، ويرفع صوته للدفاع عن الضعفاء والمضطهدين، منافحاً عن قدسية الحياة البشرية واهمية الوحدة بين الناس. شعرت بقلقه من خلط الدين بالسياسة، وهذا نوع من النفور- اشاركه فيه – تجاه رجال الدين المرتبطين بالدولة. وفي الوقت نفسه، كانت هناك مناشدة صادقة للقوى الكبرى بان تتخلى عن لغة الحرب، وتعطي الاولوية للعقل والحكمة)، واضاف البابا فرنسيس قائلاً: ( أتذكر عبارة واحدة على وجه الخصوص قالها، واحتفظت بها هدية ثمينة، قال “الناس اما اخوة في الدين أو نظراء في الخلق”.
الحديث اصلاً للإمام علي عليه السلام، والواضح أن السيد السيستاني قد استشهد به، ويفسر البابا ذلك بان الاخوة تتحقق بالمساواة بالفعل، لكن في جميع الاحوال، لا يمكن النزول تحت مستوى المساواة، لهذا السبب كما هو الحال في النمو الحقيقي، فإن طريق السلام لا يمكن أن يكون بين طرفين أو يكون ضدياً، بل هو شامل وبالغ الاحترام.
ان ما أورده البابا الراحل في مذكراته بحق السيد علي السيستاني هو غيض من فيض من مرجعية السيستاني المباركة وتصديه الشجاع لقضايا السلم المجتمعي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat