صفحة الكاتب : محمد النصراوي

جيل التيك توك... صدمة الواقع وسحر الترند
محمد النصراوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


في الأزقة الشعبية، والمقاهي العصرية، وعلى أرصفة الجامعات والأسواق، يبرز جيلٌ جديدٌ في العراق لا يشبه الأجيال السابقة، لا في أدواته، ولا في تطلعاته، ولا حتى في لغته، جيلٌ لا يحمل منشوراته في دفاتر، بل في مقاطع فيديو لا تتجاوز الدقيقة، يختصر فيها معاناته، أفكاره، وربما أحلامه، تيك توك، التطبيق الصيني الأشهر، صار مرآةً لهذا الجيل، يعكس اضطراباته بقدر ما يعكس إبداعاته.

لكن، ما الذي يدفع آلاف الشباب العراقيين إلى ركوب موجة "الترند" كل يوم؟ هل هو فضول التجربة؟ أم عطش الشهرة؟ أم ضيق الواقع؟

في بلدٍ تتكسر فيه طموحات الشباب على جدار البطالة والعوز، يبدو تيك توك أشبه بمهربٍ جماعي، أو مساحةٍ بديلةٍ لقول ما لا يُقال، حين لا تستجيب الدولة لأحلامهم، يلجأ الشباب إلى الشاشات ليصنعوا عالماً موازياً، قد يكون هزلياً أو عشوائياً، لكنه على الأقل يمنحهم حضوراً وصوتاً.

يقول زيد، خريجٌ وصانع محتوى:
"نشرت أول فيديو لي من غرفتي، لم أكن أتصور أنه سيصل إلى آلاف الناس، لكنني وجدت أن الناس يريدون من يتحدث بلسانهم، عن غلاء المعيشة، عن القهر، عن غياب الأمل".

ورغم بساطة الأدوات، فإن التأثير عميق، محتوىً يتراوح بين الضحك العفوي والنقد اللاذع، يخلط السياسة بالحياة اليومية، ويفتح الباب أمام جمهورٍ لا يقرأ الصحف، بل يستهلك المحتوى سريعاً، وبلا وسطاء.

شهرةٌ لكن بثمن..
الوجه الآخر للمنصة أكثر قتامةً، فبين صانعي المحتوى الهادف، برزت فئةٌ تلهث خلف الشهرة دون خطوطٍ حمراء، إيماءاتٌ مبتذلة، ألفاظٌ نابية، تحدياتٌ لا أخلاقية، كل ذلك أصبح مادةً "تجارية" لمن يود حصد آلاف المتابعين بسهولة، ولو على حساب الذوق العام.
وهنا يُطرح سؤالٌ جوهري، من المسؤول؟ هل هو الشاب الذي يبحث عن فرصةٍ بأية طريقة؟ أم المجتمع الذي يشاهد هكذا محتوى؟ أم الدولة التي غابت عن المشهد الرقمي وتركت الساحة بلا ضوابطَ واضحةٍ أو دعمٍ حقيقيٍ للمحتوى الجاد الهادف؟

الدولة تراقب... لكن ليس بالمستوى المطلوب
مؤخراً، تحركت الأجهزة الأمنية تجاه ما وصفته بـ"المحتوى الهابط"، فاعتقلت بعض الوجوه المعروفة على تيك توك، في خطوةٍ أثارت تبايناً في الرأي العام، فبين من رأى فيها ضرورةً لإنقاذ المجتمع من الانحدار، وبين من اعتبرها قمعاً غير مبررٍ لحرية التعبير، بقي سؤال القانون معلقاً، ما هو تعريف "الهابط"؟ ومن يضع معاييره؟ ولماذا تم إعتقال اشخاصٍ بهذه التهمة وتم ترك آخرين رغم تشابههم في المحتوى الذي يقدموه؟

يقول أحد المختصين بالإعلام الرقمي:
"ما يحدث ليس مواجهةً بين الدولة والتيك توك، بل بين منظومةٍ تقليديةٍ عاجزة، وجيلٍ رقميٍ لا يعرف الخطوط الحمراء"

ما يجب أن يُفهم اليوم، أن "جيل التيك توك" ليس نتاج تكنولوجيا فقط، بل نتاج خيبات ممتدة، وتعليم متدهور، وسوق عمل مغلق، هو جيلٌ نشأ في ظل الأزمات، لكنه لا يزال ينبض بالحياة، هو نفسه الذي نجح في تحشيد الآلاف في تظاهرات تشرين، وملأ الساحات بشعاراته "نريد وطن"، وهو نفسه من يقف اليوم خلف الكاميرا، يصنع محتوى، يفرغ ألمه، ويسخر من العبث.

إن جيل التيك توك في العراق ليس حالةً طارئة، بل مرآةٌ تعكس حجم الفجوة بين المؤسسات التقليدية وتطلعات الشباب، بين واقعٍ يزداد ضيقاً ومجالٍ رقمي بات المتنفس الوحيد، إن كان بعض هذا الجيل قد إنزلق إلى مساحاتٍ من التفاهة، فذلك لا يعني غياب الوعي عند الآخرين، والمطلوب اليوم ليس محاكمة المنصات، بل فهم دوافع مستخدميها، وصناعةُ بيئةٍ حاضنةٍ تميز بين المحتوى الهابط والصوت الصادق، فهؤلاء ليسوا مجرد صانعي فيديوهات، بل شهودُ عصرٍ يبحثون عن معنى لحياتهم في زمنٍ فقد الكثير من معانيه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد النصراوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/07



كتابة تعليق لموضوع : جيل التيك توك... صدمة الواقع وسحر الترند
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net