صفحة الكاتب : زاهر حسين العبدالله

زيادة حس المسؤولية في زمن الغيبة
زاهر حسين العبدالله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مقدمة:

قال تعالى {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢)} العنكبوت.

زيادة حس المسؤولية في زمن الغيبة (غياب الإمام المهدي عجل الله فرجه) من المفاهيم المهمة في الفكر الشيعي، حيث يُعتبر هذا الزمن اختباراً للمؤمنين في الالتزام بدورهم الرسالي رغم غياب القائد المعصوم.

فقد ورد في الرواية [فقلت له: يا ابن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت [به] علي فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد، قلت: يا ابن رسول الله وإن غيبته لتطول؟ قال: إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به ولا يبقى إلا من أخذ الله عز وجل عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان وأيده بروح منه يا أحمد بن إسحاق: هذا أمر من أمر الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن معنا غدا في عليين] (١).

في هذه الرواية أمر غاية في الخطورة حيث يبين الإمام أن هناك الكثير ممن كان يعتقد بمولانا صاحب العصر والزمان سينكر غيابه وخروجه إلا من امتحن الله قلبه للإيمان وفاز بعمق المعرفة بمولانا صاحب العصر والزمان واستيقن بها قلبه ووعتها بصيرته فيثبت حين تزل الأقدام فاسأل من الله أن نكون ممن أحاطتهم عنايته في الثبات على الولاية لهم عليهم السلام .

 

 إليك بعض النقاط التي تُساهم في تعزيز  حسن المسؤولية في زمن الغيبة :

 

1. التعرف على فلسفة الغيبة 

  أ - فهم أن الغيبة ليست انقطاعاً عن المسؤولية، بل هي فرصة لإثبات الجدارة والاستعداد لظهور الإمام.  الدليل على ذلك

عن جابر الأنصاري أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه السلام في غيبته؟

فقال صلى الله عليه وآله: إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جللها السحاب. (٢)

فقبول الأعمال منوط بمعرفة الإمام (عليه السلام) - وليس حضوره، كما ربَّما قد يُتوهَّم -، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: ١٨٠]، قال: «نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلَّا بمعرفتنا. (٣)

وهناك رواية طويلة في الإسراء والمعراج يذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسماء أهل البيت عليهم السلام ويصف حالهم حتى يصل للإمام الحجة عليه السلام فيقول:

[والحجة بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري. قلت: يا رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الأئمة، وهذا القائم الذي يحل حلالي ويحرم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين..] (٤)

 

 

   ب- الإيمان بأن الإمام المهدي (عج) حاضرٌ يراقب أفعال المؤمنين، مما يعزز الشعور بالرقابة الذاتية.الدليل على ذلك

قوله تعالى {وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ وسَتُرَدُّونَ إِلى‏ عالِمِ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)} التوبة.

 

وقد ورد في الرواية:

الإمام الصادق (عليه السلام): إن أعمال العباد تعرض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كل صباح أبرارها وفجارها، فاحذروا فليستحِ أحدكم أن يعرض على نبيه العمل القبيح. (٥)

وقد ورد في رواية عثمان بن عيسى عن سماعة

قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لرجل: مالكم تسوؤن برسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقال له الرجل: جعلت فداك وكيف نسوؤه؟

فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه فإذا رأى فيها معصية لله ساءه ذلك فلا تسؤوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسروه. (٦)

 

2. الالتزام بالتكليف الشرعي 

  أ - تحمل مسؤولية العمل بالواجبات واجتناب المحرمات، لأن الغيبة لا تُسقط التكليف. 

   ب- الاقتداء بسيرة الأئمة (عليهم السلام) وأخلاقهم كمنهج عملي في الحياة.

فقد ورد في الرواية عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي: يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء

 - إلى أن قال: - أحب العباد إلى الله عز وجل أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما نتقرب إلى الله عز وجل: إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع. (٧)

 

3. **الدعوة إلى الله والنهي عن المنكر** 

  أ - السعي لنشر القيم الإسلامية والأمر بالمعروف بالحكمة والموعظة الحسنة. 

قال تعالى {ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)} النحل.

ورد في الرواية: روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر (والتقوى - يب) فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء.

 [وقال أمير المؤمنين عليه السلام من ترك انكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميت (بين - يب) الأحياء .] (٨)

 

  ب - ملء الفراغ الناتج عن الغيبة بالعمل الصالح والبناء المجتمعي.

وعمل البرامج التوعوية والمحاضرات والندوات وسن التكليف والرحلات التعليمية  

  ج - الانتظار ليس مجرد تمنٍّ، بل هو عمل وتحرك لإعداد الأرضية المناسبة للظهور. 

  د - المشاركة في مشاريع خيرية أو علمية تُعزز العدالة وتُصلح المجتمع.

 

٤. **طلب العلم والمعرفة** 

   أ- طلب العلم الشرعي والفقهي لفهم التعاليم الدينية وتطبيقها بشكل صحيح. 

  ب - دراسة علامات الظهور لتفادي الانحرافات الفكرية.

وممَّا روي في ذلك عدَّة روايات، منها: عن أبي عبد الله (عليه السلام): [ما زالت الأرض إلَّا ولله فيها حجَّة، يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله] (٩) وقد رد في الرواية من العلامات الحتمية عن الإمام الصادق عليه السلام: خمس قبل قيام القائم عليه السلام: اليماني والسفياني والمنادي ينادي من السماء وخسف بالبيداء.

٥. **الارتباط الروحي بالإمام (عج)** 

   أ- الإكثار من الدعاء له بالفرج (مثل دعاء الندبة، ودعاء العهد، زيارة آل ياسين). 

   ب- التوسل به (عج) وسيلة لقبول الأعمال وتقوية الصلة به.

فعن أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليه السلام): [... يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (عليه السلام)، ولا يخليها إلى أنْ تقوم الساعة من حجَّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزل الغيث، وبه يُخرج بركات الأرض...] (١٠).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام): [... بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عُبِدَ الله، ولولا نحن ما عُبِدَ الله] (١١).

 

٦. **المشاركة في بناء المجتمع الصالح** 

   أ- تعزيز الأخوة الإسلامية والتعاون على البر والتقوى. 

قال تعالى {واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وكُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)} آل عمران.

  ب - مواجهة الفساد والظلم حسب القدرة، والسعي لإقامة الحق.

في مقدمتها صلاح النفس ثم صلاح المجتمع وفق الضوابط الشرعية المذكورة في الرسالة العملية للمراجع العظام.

 

٧. **الاستعداد النفسي والعملي للظهور** 

  أ - تقوية الإيمان والعزيمة ليكون المؤمن جنديًا صالحًا عند الظهور. 

حيث يصبح كل مؤمن سفيرًا للإمام الغائب (عج) عبر أفعاله وأخلاقه. كل عمل صالح يُقدَّم هو خطوة نحو تحقيق شروط الظهور، والله تعالى يكافئ المُخلصين في انتظارهم. 

 

  ب - التمهيد لقيام الحكومة العالمية العادلة عبر نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام.

 

فقد ورد في الرواية

عن الإمام الرضا (عليه السلام): [نحن حُجَج الله في خلقه، وخلفاؤه في عباده، وأُمناؤه على سرِّه، ونحن كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريَّته، بنا يُمسِك الله السماوات والأرض أنْ تزولا، وبنا يُنزِل الغيث وينشر الرحمة، ولا تخلو الأرض من قائم منَّا ظاهر أو خافٍ، ولو خلت يوماً بغير حجَّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله] (١٢).

 

والحمد لله رب العالمين

 

بقلم : زاهر حسين العبد الله

 

المصادر:

(1) كمال الدين وتمام النعمة - للشيخ الجليل الأقدم الصدوق - ج ١ - الصفحة ٤١٣.

(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٢ - الصفحة ٩٣.  

(3) الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ١٤٤.

(4) الأنوار البهية - الشيخ عباس القمي - الصفحة ٣٤١.

(5) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢١٣٤.

(6) كتاب الزهد - الحسين بن سعيد الكوفي - الصفحة ١٦.

(7) وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ١٥ - الصفحة ٢٣٤.

(8) المقنعة - الشيخ المفيد - الصفحة ٨٠٨ .

(9) الكافي (ج١/ ص١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح٣)

(10)  كمال الدِّين (ص٣٨٤/ باب ٣٨/ ح١).

(11) الكافي (ج١/ ص١٤٤/ باب النوادر/ ح٥).

(12) الكافي (ج١/ ص١٩١/ باب أنَّ الأئمَّة شهداء الله (عزّ وجلّ) على خلقه/ ح٤).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زاهر حسين العبدالله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/05/03



كتابة تعليق لموضوع : زيادة حس المسؤولية في زمن الغيبة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net