مقدمة:
يتناول كتاب "العدل والعدالة من منظوري القانون البشري والدين السماوي" لمؤلفه الدكتور أحمد محمد قيس[1] قضية محورية ومهمة في حياة الأفراد والمجتمعات، وهي مفهومي العدل والعدالة. يسعى الكتاب، كما يتبين من عنوانه، إلى استكشاف هذه المفاهيم من زاويتين أساسيتين: القانون البشري الذي وضعه الإنسان لتنظيم حياته وعلاقاته، والدين السماوي الذي يمثل الشريعة الإلهية الهادية للبشر. من خلال هذا المنظور المزدوج، يسعى المؤلف إلى تقديم فهم شامل ومتكامل للعدل والعدالة، مع الأخذ في الاعتبار التطورات التاريخية والفكرية التي طرأت على هذه المفاهيم.
أهمية البحث:
تبرز أهمية هذا البحث من خلال عدة جوانب. أولًا، يشير المؤلف إلى أن مفاهيم العدل والعدالة أصبحت مغلوطة لدى شريحة كبيرة من الناس والمثقفين، مما يستدعي الحاجة إلى إعادة فهم وتوضيح هذه المفاهيم الأساسية. ثانيًا، في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العصر الحديث على صعيد القوانين والنظم الاجتماعية، يصبح من الضروري تحليل وتقييم هذه التطورات في ضوء مبادئ العدل المستمدة من مصادر متنوعة. ثالثًا، يهدف الكتاب إلى تجاوز النظرة الأحادية التي قد تركز على القانون الوضعي أو الدين السماوي بشكل منفصل، وتقديم رؤية مقارنة تسعى إلى التكامل والتوفيق بين المنظورين. أخيرًا، تأتي أهمية البحث من طبيعة قضية العدل ذاتها، فهي ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي أساس استقرار المجتمعات ورخائها، وحماية حقوق الأفراد وكرامتهم.
أهداف البحث:
يسعى هذا الكتاب إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، من أهمها:
توضيح المعاني اللغوية والاصطلاحية لمفهومي العدل والعدالة في اللغة العربية وفي السياقات القانونية والدينية. يهدف المؤلف إلى تتبع تطور هذه المصطلحات وإبراز دلالاتها المختلفة.
دراسة وتحليل مفهوم العدل في الفكر القانوني البشري، بما في ذلك القواعد القانونية الوضعية وتطورها التاريخي.
استعراض الرؤية الدينية السماوية لمفهوم العدل، مع التركيز على المبادئ والقيم التي تنطلق منها الشرائع السماوية في تحقيق العدل بين الناس.
إجراء مقارنة بين مفهومي العدل في القانون الوضعي والدين السماوي، بهدف تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف، وإمكانية الاستفادة المتبادلة بينهما.
تسليط الضوء على التحديات المعاصرة التي تواجه تحقيق العدل والعدالة في المجتمعات الإنسانية.
الحاجة إليه في عصرنا:
تتزايد الحاجة إلى بحث معمق وشامل لمفهومي العدل والعدالة في عصرنا الحالي لأسباب عديدة:
تفاقم الظلم والتفاوت الاجتماعي: يشهد العالم المعاصر صورًا متعددة من الظلم والتفاوت في توزيع الثروات والفرص، مما يستدعي البحث عن أسس متينة للعدل تساهم في معالجة هذه المشكلات.
تداخل الثقافات والقيم: في ظل العولمة وتداخل الثقافات، تبرز الحاجة إلى فهم مشترك للعدل يتجاوز الاختلافات الثقافية والدينية، أو على الأقل، إيجاد أرضية مشتركة للحوار حول هذه المفاهيم.
تطور التشريعات والقوانين: مع التطورات العلمية والتكنولوجية والاجتماعية، تستمر التشريعات والقوانين في التغير والتطور، مما يستدعي تقييمها المستمر في ضوء مبادئ العدل الأساسية.
النزاعات والصراعات: تلعب قضايا العدل دورًا محوريًا في نشوب النزاعات والصراعات وحلها، وفهم أبعاد العدل المختلفة يمكن أن يساهم في بناء سلام دائم وعادل.
الشكوك والتساؤلات الفكرية: يثير التقدم العلمي والفلسفي العديد من التساؤلات حول أسس الأخلاق والقيم، بما في ذلك العدل، مما يستدعي العودة إلى المصادر الدينية والفكرية لتقديم إجابات مقنعة.
خاتمة:
بالنظر إلى المقدمة والفصول الأولية من كتاب "العدل والعدالة من منظوري القانون البشري والدين السماوي"[2]، يمكن استخلاص بعض النتائج التي تمهد لما سيأتي في بقية الكتاب:
العدل والعدالة مفهومان مركبان ومتداخلان، ولهما أبعاد لغوية واصطلاحية متعددة تحتاج إلى تفصيل وتوضيح.
هناك حاجة ماسة إلى فهم شامل ومتكامل للعدل يستفيد من الرؤى القانونية البشرية والتوجيهات الدينية السماوية على حد سواء، خاصة في ظل التحديات المعاصرة.
يهدف الكتاب إلى تقديم تحليل مقارن معمق لمفهومي العدل في هذين المنظورين، مع السعي نحو إبراز نقاط الالتقاء والتأثير المتبادل.
كما يتناول كتاب "العدل والعدالة من منظوري القانون البشري والدين السماوي" مسألة العدل الإلهي وفلسفة الشرور ضمن الإطار الديني للعدل. هذه المسألة جزء من النقاش حول طبيعة العدل والعدالة كغاية موضوعية نحو الكمال الإنساني، ويتم بحثها في الفصل الثالث من الكتاب.
يُشير الكتاب إلى وجود خلاف جوهري بين المفكرين المسلمين حول فهم أفعال الله سبحانه وتعالى. هذا الخلاف هو أساس فلسفة الشرور وكيفية تفسيرها ضمن إطار العدل الإلهي.
ينقسم المسلمون في هذه المسألة إلى اتجاهين رئيسيين:
1- المعتزلة: يرون أن العدل والإحسان في أفعال الله يقوم على أساس "حسن وقبح عقليين"، وأن الله سبحانه وتعالى يفعل الأصلح لعباده. يعتقدون أن لأفعال الله غرضًا وهدفًا.
2- الأشاعرة: يربطون مفهوم العدل والإحسان في أفعال الله بالشرع. يرون أن ما يفعله الله هو عين الحكمة والعدل، وينكرون وجود غرض أو هدف خارجي لأفعال الله خارج ذاته.
هذا النقاش الفكري والديني أساسي في فهم العدل الإلهي وكيفية تفسير الأحداث والظواهر (بما في ذلك ما قد يُنظر إليه كشرور أو ظواهر كونية سلبية)، حيث يُفهم وجود الشرور في إطار الحكمة الإلهية (حسب المعتزلة) أو كجزء من قضاء الله وقدره الذي هو في ذاته عدل (حسب الأشاعرة). ولذا تهدف هذه الدراسة إلى تصحيح المفاهيم وإثارة نقاش مستنير.
إن هذا الكتاب يمثل محاولة جادة ومهمة لإعادة التفكير في مفاهيم العدل والعدالة في عالمنا المعاصر، وتقديم رؤية مستنيرة تستمد قوتها من التراث الإنساني والقيم الدينية على حد سواء، كما ننصح بقراءته سيما الطبقة المثقفة من الشباب والواعين من طلبة الدراسات العليا والنخب الاكاديمية، كما أن هذا الكتاب ينفع أيضاً لعامة المثقفين، والله تعالى من ولي القصد، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسوله الأمين، محمد وآله الطاهرين.
[1] ـ الدكتور أحمد قيس، لبناني من مواليد بيروت عام 1966، هو أستاذ جامعي غزير الإنتاج في مجالات الفلسفة والعلوم الإسلامية والتاريخ والحضارة، بالإضافة إلى عضويته في اتحادات الكتاب ومؤسسات بحثية وعلمية بارزة، ويُعرف بمنهجه التفاعلي في نشر العلم والثقافة، حيث يقبل النقد ويحرص على المناقشة العلمية، كما أنه مؤسس لمشاريع ثقافية واجتماعية غير ربحية، معتمداً على تمويله الخاص الناتج عن عمله في الصناعة، وإلى جانب مسيرته الأكاديمية والثقافية، يتمتع الدكتور قيس باهتمامات فنية ورحلات واسعة أكسبته اطلاعاً عميقاً على مختلف الثقافات، وهو متزوج ولديه أبناء وأحفاد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat