صفحة الكاتب : علي سالم

جرائم الامتناع عن الفعل في القانون الجنائي: إشكالات الإثبات وتحديد المسؤولية
علي سالم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعد جرائم الامتناع عن الفعل من أكثر المواضيع تعقيداً في القانون الجنائي، حيث تختلف طبيعتها عن الجرائم التقليدية؛ التي تقوم على فعل إيجابي ملموس، وفي هذا السياق فإن الامتناع عن الفعل هو امتناع الشخص عن القيام بفعل يفرضه عليه القانون أو الواجب، كلما تسبب هذا الامتناع في ضرر أو تعريض مصلحة محمية للخطر، وتظهر هذه الجرائم بوضوح في حالات متعددة، مثل "امتناع الطبيب عن تقديم الإسعافات الأولية لمريض في حالة حرجة"، أو "امتناع الشاهد عن الإدلاء بشهادته أمام المحكمة"، مما يجعلها محل اهتمام الفقه الجنائي والقضاء على حد سواء.
إن المسؤولية الجنائية في جرائم الامتناع عن الفعل تقوم على توافر واجب قانوني أو عقدي يلزم الشخص بالقيام بفعل معين، فمجرد الامتناع لا يكفِ لحدوث الجريمة، بل يشترط أن يكون الممتنع قادراً على القيام بهذا الفعل واعياً بالتزامه، على سبيل المثال، فإن "رجل الأمن الذي يهمل في التدخل لحل شجار يتطلب تدخله يكون موضع مساءلة قانونية"، بينما لا تثار مسؤوليته إذا كان غير قادر على التدخل لسبب خارج عن إرادته، هذا التعريف يسلط الضوء على أهمية العلاقة بين الواجب القانوني والقدرة الفعلية على التنفيذ في حالات الامتناع.
إن مسألة الإثبات في جرائم الامتناع تشكل تحدياً أساسياً، نظراً لعدم وجود فعل إيجابي يمكن ملاحظته وتوثيقه بسهولة، وعلى عكس الجرائم الإيجابية التي يمكن إثباتها من خلال الأدلة المادية والشهادات، فإن إثبات الامتناع يعتمد على إثبات الواجب على الفعل والقدرة على القيام بذلك، بالإضافة إلى وجود القصد الجنائي، وكثيراً ما يواجه القضاء صعوبة في تحديد ما إذا كان الامتناع نتيجة للإهمال أو القصد، مما يتطلب استخدام الأدلة والظروف المحيطة.
تزداد هذه الصعوبة تعقيدًا عندما يكون هناك أكثر من شخص يمكنه القيام بالفعل الممتنعن وفي حالات الطوارئ العامة، مثل حادث الغرق في مكان عام، يثار التساؤل حول ما إذا كان جميع الشهود مسؤولين عن عدم التدخل، أم أن المسؤولية تقع فقط على أولئك الذين لديهم القدرة والمهارة اللازمة لإنقاذ الضحي،. ويسلط هذا التساؤل الضوء على إشكالية تحديد الشخص الملزم قانوناً بالفعل، خاصة في غياب نصوص قانونية صريحة تحدد هذا الالتزام.
ورغم التعقيدات المرتبطة بجرائم الامتناع، فإن معالجتها القانونية ضرورية لضمان عدم استغلال السلبية كوسيلة للتهرب من المسؤولية؛ لذلك، من الضروري وضع تشريعات واضحة تحدد واجبات الأفراد في المواقف الحرجة، وتضع معايير دقيقة لقياس وجود القصد الجنائي في حالات الامتناع، بالإضافة إلى ذلك، فإن تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التدخل الإيجابي يمكن أن يساهم في الحد من حدوث هذه الجرائم، وتعزيز دور الأفراد في حماية الحقوق والمصالح العامة.
وفي نهاية المطاف، تظل جرائم الامتناع اختباراً دقيقاً لمفهوم العدالة الجنائية، حيث يلتقي القانون بالواجبات الأخلاقية والاجتماعية، ومن ثم فإن مواجهة هذه الجرائم تتطلب التوازن بين احترام الحريات الفردية وضمان أداء الواجبات القانونية، مما يستدعي جهوداً قضائية وفقهية متواصلة للتعامل مع هذه القضايا بالعدل والإنصاف.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي سالم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/19


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • السياسة العقابية في الجرائم الاقتصادية: بين الردع العام وحماية الاستثمار  (المقالات)

    • تأثير الإعلام على المحاكمة العادلة: بين الحق في حرية التعبير وضمان نزاهة القضاء  (المقالات)

    • تأثير التحول الرقمي على الجريمة المنظمة: التحديات القانونية الواجب مواجهتها  (المقالات)

    • التدخل الجنائي في المجال الطبي: حدود المسؤولية الجنائية للأطباء بين الخطأ المهني والجريمة .  (المقالات)

    • وجه الحقيقة عارٍ في غزة ..!  (المقالات)



كتابة تعليق لموضوع : جرائم الامتناع عن الفعل في القانون الجنائي: إشكالات الإثبات وتحديد المسؤولية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net