صفحة الكاتب : انعام حميد الحجية

انظر إلى الجهة اليمنى
انعام حميد الحجية

 ـ ما رأيكِ لو نزوركم اليوم؟ 
 قلت لها: 
ـ لي الشرف أن تزوريني في بيتي، أحببتها كأخت وجعلتها رفيقة دربي كونها فتاة ملتزمة محتشمة صاحبة دين ومتعمقة في الأمور الثقافية، وأي حب يمكن أن يكون أكثر عمقا؟ 
 ولم يكن في الأمر خديعة، وإنما أنا لم أفهم الكلمة بدلالتها وفهمت الأمر مجرد زيارة، لكن حضور أمها معها غير لي المعنى. 
 هي لم تحدثني يوما عن أخيها، وربما أرادت أن أكون حرة أمام الخيار دون تأثير وجودها في حياتي. 
 وتعرفنا على الأم، ثم تعرفنا على العائلة، عائلة محترمة وعريس له مواصفات مقبولة. 
لم يحدث في الزيارة الأولى شيء سوى التعارف وابتسامات الرضا كانت واضحة، هذا الذي جعل أبي ينظر إلى الأمر بشيء من التروي، وأجل القضية إلى حيث السؤال والمشاورة. 
 كنت أخشى أن يكون فارق المستوى المعيشي عائق بيننا، وخاصة أن أبي تاجر كبير ولا يمكن أن يفوته مثل هذا الأمر، كنت أقرأ الموقف من خلال ملامح وجهه وعينيه وبعض التلميحات التي هي أساسا تقلق كل أب. 
وابي رجل لطيف له رزانة في التفكير، والقضايا المادية لم تؤثر على قراراته يوما، رجل له القدرة على قراءة المعنى الإنساني ويستطيع النظر إلى العمق الوجداني لنسيم كشاب خريج هندسة مثقف ملتزم بأمور دينه صاحب شخصية متزنة، كلما في الأمر أنه رفض الوظيفة والتحق بالحشد الشعبي مقاتلا دفاعا عن وطنه ودينه. 
 بدأت وجهات النظر واختلافات الرؤى تأخذ حيزا أكبر لدرجة أن الأمور صارت مقلقة والخلاف الحقيقي صار في قضية فهم معنى التطوع للحشد الشعبي، أبي ينظر إلى المسالة باعتبار التطوع للحشد الشعبي عملا والشغل ليس بعيب، ومثل هذا الزواج يوفر له فرصة عمل أكثر استقرارا ولا مانع لدى أبي أن يعينه مديرا لأحدى الشركات، يريد أن يشتري رجلا لأبنته كما يقول. 
هذا التفكير قد يكون سليما من وجهة نظره كأب، بل ربما مقبولا عند أكثر الناس فمن من الشباب يرفض أن يتزوج من فتاة غنية ويكون زواجه مصدرا لرزق وفير؟ 
 حركت هذه الأمور عواطفي، صرت أتمنى لو تتم المسالة بالقبول وبدأت أوضح لأمي هذه المشاعر ولا أخفي عنها شيئا، جميع المواقف سليمة. 
 لكن أبي لم يحسب حسابا لشخصية نسيم فهو يتصور أن كل إنسان يميل إلى جهة، ومن هذا الذي يرفض النعمة؟ 
بينما نسيم له مفهوم حياتي آخر، التحاقه بالتطوع للحشد الشعبي لم يكن بابا من أبواب الرزق، وإنما تطوع من باب المسؤولية، قال لأبي بكل جرأة، لنفترض تخلى الجميع عن الدفاع عن الوطن ما قيمة شركاتكم وأموالكم إذا ما احتل الدواعش البلاد. 
إنها مسؤولية دينية ولا بد من الاستجابة للفتوى المرجعية، مثل هذه الرؤى سببت برود في العلاقة بينه وبين أبي، والقضية على ما يبدو تذهب إلى أبعاد نفسية عند أبي أكبر مما يستوعبه ذهني، كوني أعرف أن أبي معجب بشخصية نسيم ويكن له احتراما كبيرا، مع هذا رفضه وجعلني طوع ارادته. 
ألم يفكر أن الرفض قد يسبب لابنته انكسارا نفسيا ويغير طعم الحياة في عينها، ونسيم شاب كريم النفس وكان يمكن أن يقبل الأمر بعد تحرير البلاد وزوال الخطر. 
 كنت أعبر عن وجهة نظري لأمي، الفارق بين أبي ونسيم فارق فكري كبير، أبي يرى أن التطوع في الحشد يهدد استقراري بعد الزواج، مادام هو مقاتل لا بد أن يحسب لحياته حسابا، كم شاب استشهد تاركا زوجته أرملة وهي في ريعان شبابها، العمر في ميادين الحروب غير مضمون، هذه وجهة نظره. 
 أمام هذه الرأي تجد نسيم يبتسم لسذاجة الفكرة، وقال وكأن من يعيش خارج الحرب ضامن لعمره، الأعمار بيد الله، لا شأن لها بالحروب، ومن ثم رفض أبي لنسيم لا يشكل خسارة له، فهناك ألف ممن يتمنى الزواج من ابنته ابنة المال والجمال، وكأني بضاعة تخضع للعرض والطلب. 
كان تفكير أبي  ليس بعيدا عن الواقع، سرعان ما جاء الخطيب البديل والذي يحمل مواصفات العصر بالنسبة  لتفكيره، ولا حل عندي سوء القبول والرجل لا قصور عنده، فهو استثمر مصالح أبي وتكيف تماما مع أفكاره ومشاريعه، وأنا أيضا الفت وجوده فهو رجل ودود لكن القضية التي كانت تثيرني هي معاينة الفارق بين الشخصيتين، احترامي لنسيم جعلني أنظر إلى نفسية زوجي وإلى معناه الحقيقي، وأندهش كيف عجز أبي التاجر ابن السوق الحصيف عن قراءة الفارق بين الاثنين، بين زوج جاء بحثا عن العمل لأغمر حياته بالمال والجاه والسعادة كما يحسبها، وزوج جاء يبحث عن معناه الإنساني ليغمر حياتي بالفرح، التفكير بمضمون القضية يجعل الغد تحت طاولة الرهان، لأن فسحة الأمان ضيقة إلى حد القلق. 
مثل هذا الزوج لا تقف طموحاته عند حد معين، فهو يسعى لارتقاء السلم الوظيفي، وبعد التمكن سيختلف الوضع، لم يقرأ أبي الرسالة بصورة صحيحة، زوج بهذه المواصفات يعد المرأة سلما وبعدها ترمى إلى الفراغ. 
ربما تسالني ما سبب هذه الثورة العارمة التي هيجت تلك المشاعر، وهذا القلق بعد هذه السنوات؟: 
ـ انظر إلى يمين، هناك في الزاوية اليمنى في الطاولة الأخيرة، انظر إلى تلك العائلة، هل نظرت إليها؟
هي عائلة نسيم يحفظه الله لشبابه، درس مهم غاب عن ذهن أبي، مثلما وجد البديل بسهولة لوجود المال، فنسيم أيضا وجد البديل بسهولة لوجود الأخلاق والصدق والعفة والامان، المهم الحرب انتهت الآن وكل جبين حمل ما خطته يداه، وطوبى لمن سعى ليبعث للناس الأمان، صرت أشعر أن كل ما في البلاد من فرح ساهم فيه نسيم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


انعام حميد الحجية
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/04/18



كتابة تعليق لموضوع : انظر إلى الجهة اليمنى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net