الشعراء كما عهدناهم يوقظون بأحرفهم بريق إبداعهم الأسمى الذي يشعل جذوة الملتقي ؛ ليطلق سرب عصافير تغرّد فوق سماء ثغره ليشاطره خرائط حزنه تارةً، وفرحه تارةً أخرى وكل ما تجول به ذاته الشاعرة وينصهر معه في أبجديته التي نظمها وزنًا وقافية، لا تعرفُ لها نهاية بل تبقى متجددة كلّما تجلّت بين يدي قارئها وهو يحاولُ فكَّ ما بين سطورها ، إذ تحملُ جدرانها مرايا بحجم الكون ليرى من خلالها ذاته الشاعرة المتألقة على ساحل أحرفها ، وإذا غصنا في لجج بحورهم بحثًا عن مكنوناتهم لوجدنا الكثير منهم الذين ما يزالون يملؤون جيوبنا بالمصابيح ومن أولئك الشاعر الدكتور( قيس الخفاجي- رحمه الله-) الشاعرُ البابليّ والأستاذ اللُّغوي .
-اسمه ونسبه
قيس حمزة فالح سركال الخفاجي، من مواليد ووفاة محافظة بابل، قضاء الكفل( 1967م-2020م) .
مولده ونشأته
ولد الشاعر(رحمه الله تعالى) في قرية الجازرية التابعة لناحية الكفل يوم الأربعاء في العشرين من شهر ذي العقدة سنة1386هجرية، الموافق الأوّل من مارس سنة 1967ميلادية، في أسرة متديّنة، متواضعة ملتزمة محبة للعلم وأهله فانعكس ذلك على نفسيته فأحبَّ طلب العلم وسعى إلى نيله، فدرس الابتدائيّة في مدرسة (المفاخر) حتّى تخرّج منها، لينتقلَ بعد ذلك إلى دراسة المتوسّطة في مدرسة (الجماهير) تخرّج فيها بتوفق ، كانَ الأوّل على زملائه، ثمَّ أكمل دراسته الإعدادية في مدرسة (١٧تموز سابقًا) إعدادية (الإمام علي عليه السلام ) حاليًا، فكانت رحلته في هذه المراحل الثلاث رحلة كفاح، وإصرار، وعزيمة، بسبب الظروف السائدة آنذاك، وبعد تخرّجه من هاتين المرحلتين بتفوّق وجد، انتقل إلى الدراسة الجامعية في جامعة الموصل- كليّة التربية- قسم اللّغة العربيّة وتخرّج منها عام 1988م، وبعد أن تهيّأت له الظروف المناسبة سافر إلى بغداد الحبيبة آنذاك ليكملَ دراسته العليا (الماجستير) في جامعة المستنصرية- كليّة التربية – قسم اللُّغة العربيّة، وحصل على درجة الماجستير فيها عام 1995م عن رسالته الموسومة بـ(المفارقة في شعر الرّواد) وقد طبعت فيما بعد كتابًا عام 2007م، ولم يكتفِ بهذا القدر بل كان لحبّ العلمِ أوّلاً، واللّغة العربيّة ثانيًا في نفسهِ دافعًا كبيرًا ؛لأن يكملَ دراسة الدكتوراه في الجامعةِ والكليّة ذاتهِا بعد تخرّجه فيها مباشرةً، فمشقّة السفر، والابتعاد عن الأهلِ، لم تمنعه من المكوث في طلب العلم، حتّى نال فيها درجة الدكتوراه عام 1999م عن أطروحته الموسومة بـ(الفكر النقدي عند الدكتور علي جواد الطاهر) وقد طبعت فيما بعد كتابًا عام 2012م.
-دواوينه ومؤلّفاته
ألّف الشاعر (رحمه الله تعالى) مؤلّفات قيّمة، تنم عن لغويّ حقيقيّ بهذه الصفة في أوسع دلالتها، وما يتهيَّأ لشاعرٍ يبني القصيد نظمًا فخمًا، ونسجًا محكمًا، إلا يكون قد ضرب في اللّغة بسهم، فمنظوميّه ومؤلّفاته يشهدان أنَّه قد وسّع اللّغة مبحثًا ولفظًا، وبعد شأوه فيها رواية وحفظًا، فمن آثاره المنظومة ديواني شعرٍ، الأوّل بعنوان "نثيث الانتظار" الّذي أبصر النور في عام 2007م، أمّا الآخر ولد عام 2019م حاملاً عنوان "الشعر البطائقي- مقدمة وديوان"، والذي سيصدرُ منه الجزء الثاني قريبًا، وكذلك مؤلّف آخر في الأنساب والّذي صرّح عنه ابن المرحوم بقوله:( سيحدثُ نقلة نوعيّة في الأنساب) فقد عكف عليه قبيل وفاته سنة كاملة حتّى أكلمه(4)، ويزيد على ذلك أنَّه قد أودع ما انتهى إلينا من جمهرة آثاره، كتاب(المفارقة في شعر الرواد) طبع عام 2007م، وكتاب (الفكر النقدي عند الدكتور علي جواد الطاهر) طبع عام 2012م.
-وفاته
أصيب الشاعر بفايروس كورونا، الوباء الذي اجتاح العالم بأسره على حينِ غفلةٍ عام 2020م والذي أودى بحياة الكثيرين، وللأسف الشديد كان للشاعر نصيبٌ منه، فقد أصيب به بتاريخ 19/7/2020م، بعدَ أن شعرَ بوعكةٍ صحيّة أثناء عمله في الجامعة (جامعة بابل) ليتبيّن فيما بعد إصابته بالفايروس اللَّعين، فرقد في داره لتلقّي العلاج، وبعد أيّام قليلة من حربه مع الفايروس شاءت قدرة الله تعالى في صبيحة يوم الجمعة 31/7/2020م- الموافق10 ذي الحجة 1442ه أن يتوفّى(رحمه الله تعالى) في محافظة بابل الفيحاء ، فكانَ لرحيله غصّة في قلبِ كلّ من عرفه، فانبرى بعضهم لرثائه بما جادت به قريحتهم، على رأسِهم تلميذِه الأستاذ الدكتور الشاعر حسن عبيد المعموري في "حسراتٌ مؤجَّلة" ضمن أبيات قصيدة ألقاها في حفلٍ تأبيني أقيمَ ألكترونيًّا بمناسبة أربعينية الأستاذ الدكتور رحيم جبر الحسناوي( رحمه الله تعالى)، قوله:
مـــلأ الـــــموتُ رُبــــانــــا بالســـَّوادِ وكسا أرواحَـــنــــا ثــــــــوبَ الحـــِـــدادِ
كــــلَّما قُـــــلـــنا لــــــه: رِفـــقًــــا بـــنـا صارَ مِــن وَقعِ الرّزايـــــا بــــازديـــــادِ
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat