في الحقيقة عندما نرجع الى الحقبة الزمنية الماضية وهي حقبة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه واله ونستذكر تلك الوصايا النبوية العظيمة لمعرفة من يخلفه في ارضه ويكون وصييه على بني البشر فبهذا اللحاظ نتصور واقعنا ونستذكر اهم الوصايا والارشادات التي جاء بها أهل البيت في كيفية معرفة نوابهم عليهم السلام فلا يمكن لهذه الأُمة ان تخلو من هادٍ ولا حجة ( وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) الرعد 7 ، عندما كان النبي محمد صلى الله عليه واله يعرّف المسلمين في احقية أمير المؤمنين عليه السلام بالوصية من بعده والولاية له والعداوة لمن عداه خرجت تلك الفئة ويا لها من فئة من نظر إلى مسمياتهم عجب من كونهم مخالفين للنبي لقربهم منه ومنزلتهم عند الناس ، ولكننا نجد أنهم قد خالفوا ما جاء به هذا النبي بذرائع الاجتهاد وكبر السن وغيرها من اوهان الحجج متناسين ان النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم واوامره وافعاله حجة عليهم قال تعالى ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) الاحزاب 6 ، من هنا كانت البداية التي قصمت ظهر المسلمين وفرقتهم اشياعا واضعفت الوصي سلام الله عليه ، صفحاتٌ من التأريخ تُعيد نفسها لتذكّرنا بأن اليوم هو اشبه بتلك الأيام والقوم أبناء القوم ، قال سبحانه ( لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يوسف 111 ، وقوله ( وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ) الكهف 54 ، من هنا هي العبرة والموعظة التي على الناس معرفتها وعلى المبصرين تبينها لهم كي يسود نور الحق ، هذا الأصل الأول ، أما الثاني يدور حول ماجاء به أهل البيت سلام الله عليهم ، سلالة النبي ، تلك الشجرة الطيبة المعصومة التي لا تنطق بالهوى من اقوالٍ واحاديثٍ صحيحة التي هي حجة علينا نحن اتباع هذا المذهب المعتقدين بإمامتهم للأُمة بعد رسول الله صلى الله عليه واله ، فمن هذين الأصلين نحدد الصراط المستقيم الذي يقودنا نحو النبأ العظيم ، نبأ ظهور الإمام الحجة سلام الله عليه ، ذلك النور الإلهي الذي سيضيئ هذا الكون بعد كل تلك القرون المظلمة ، فعندما نرجع إلى زمن ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه نجد ان هذه الفترة مرت بمرحلتين ، الأولى المسماة بالغيبة الصغرى والتي ناب عنه عجل الله تعالى فرجه أربع سفراء يُعرفون بالنواب الخاصين له أي بمعنى على الناس اتباعهم في ذلك الوقت لارتباطهم بالإمام مباشرتا واستمرت قرابة السبعين سنة من عام 260هـ الى وفاة السفير الرابع عام 329هـ ، بعد هذا الفترة جاءت المرحلة الثانية وهي الغيبة الكبرى حيث بدأت مرحلة جديدة تكللت بإتباع العلماء الفقهاء العدول ووجوب الرجوع إليهم ، هذه المرحلة أصل لها الائمة سلام الله عليهم منذ العقود الأولى ففي الحديث المشهور للإمام الحسن العسكري ( من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه ) الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٢٦٣ ، فحدد الإمام صفات الفقيه الذي يجب أن يتبع وقبله الإمام جعفر الصادق عليه السلام في حديثه ( انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنما بحكم الله استخف، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله عز وجل ) الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٦٧ ، وأخيرا توقيع الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه ( وأمّا الحوادثُ الواقعةُ فارجعُوا فيهَا إلى رُواةِ حديثِنَا ، فإنّهُم حُجّتِي عليكُم وأنا حُجّةُ اللهِ )الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٢٨٣ ، فبحسب قول الإمام المهدي هم حجج في هذا الزمان ، يعصمونك عن الضلال وسط هذا التجهيل الذي يحصل في الأمة وما ينتج عن الغرب من تذويب للقيم الأخلاقية والدينية والمحاربة العلنية للدين ، ففي الحديث الذي ورد عن الإمام الصادق عليه السلام يحثّنا فيه أن ندعو بدعاء جاء في بعض فقراته: ( اللهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَك فَإِنَّك إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَك ضَلَلْتُ عَنْ دِینِي) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٣ - الصفحة ١٨٧ ، وإن كان المعنى المقصود خصوصا هو الإمام المهدي عجل الله فرجه إلا انه كما قال الإمام أنهم حجة علينا فبهذا يكونون هم المقصودين بالمعنى العام في وقتنا ، وهناك إشارة أخرى في حديث أما الحوادث الواقعة ، فأنه يبطل ما يروج له اليوم من أقوال برجوع إلى احاديث أهل البيت من دون العلماء الفقهاء ، فنص القول يتحدث عن رجوعنا إلى رواة الحديث وهم العلماء العدول لا الحديث نفسه ، أيضا يجب أن ننتبه إلى أن قضية الرجوع إلى العلماء الفقهاء العدول لا تقتصر على شخص بعينه ولا تنقطع إلا بخروج الإمام سلام الله عليه فهم نوابه في هذه الغيبة الكبرى والرجوع إليهم والتمسك بهم واجب حتمي ، فمثلما حدثنا التأريخ عن وصية الرسول لأمير المؤمنين سلام الله عليه بالولاية على الناس من بعده وكيف أن الأمة دخلها الشك وخالفت وصية الرسول وأخذ كل حزب بما لديهم فرحون ، ضعف أمير المؤمنين عليه السلام وجلس أياما عديدة في بيته ، كل هذا كان بسبب عدم وعي الأمة انذاك بوصية الرسول والتشكيك فيها ضاع الحق وعانت الأمة ما عانت بفعل يَدَيها ( وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّـهُ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) النحل 33 ، فبنفس الطريقة أرجعنا الإمام الحجة إلى العلماء الفقهاء العدول في غيبته ، ومن الجدير بالذكر أن العلماء الفقهاء العدول عند خروج الإمام سلام الله عليه هم الذين سيحددونه للأمة ويدلون عليه لان في ذلك عصمة عن الوقوع في الشبهات واتباع الدجالين ففي الحديث عن الإمام علي الهادي سلام الله عليه قَالَ ( لَوْ لاَ مَنْ يَبْقَى بَعْدَ غَيْبَةِ قَائِمِكُمْ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مِنَ اَلْعُلَمَاءِ اَلدَّاعِينَ إِلَيْهِ وَ اَلدَّالِّينَ عَلَيْهِ وَ اَلذَّابِّينَ عَنْ دِينِهِ بِحُجَجِ اَللَّهِ وَ اَلْمُنْقِذِينَ لِضُعَفَاءِ عِبَادِ اَللَّهِ مِنْ شِبَاكِ إِبْلِيسَ وَ مَرَدَتِهِ وَ مِنْ فِخَاخِ اَلنَّوَاصِبِ لَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلاَّ اِرْتَدَّ عَنْ دِينِ اَللَّهِ وَ لَكِنَّهُمُ اَلَّذِينَ يُمْسِكُونَ أَزِمَّةَ قُلُوبِ ضُعَفَاءِ اَلشِّيعَةِ كَمَا يُمْسِكُ صَاحِبُ اَلسَّفِينَةِ سُكَّانَهَا أُولَئِكَ هُمُ اَلْأَفْضَلُونَ عِنْدَ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٦. ولعلي اختم كلامي هذا بحديثٍ جليل بحق هولاء المتقين ومكانتهم في الإسلام تاركا للقارئ الكريم لأن يُبحر في مُحيطٍ من المنزلة والرفعة الإلهية ، فعن أبي عبدلله الإمام الصادق عليه السلام قال ( الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك ) . ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ٢٠٨٧
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat