صفحة الكاتب : رياض سعد

مقولة وتعليق ( الخيانة خيانة )
رياض سعد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في هذه الحلقة من سلسلة مقولة وتعليق ؛ سنتطرق لموضوع الخيانة , ونستهل هذه المقالة بمقولة سياسية تنسب للقائد الالماني الشهير هتلر ؛ اذ قال : (( أحقر الأشخاص الذين قابلتهم هم أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم )) ولو اضاف : (( ... هم الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم , وقتل اهاليهم وشعبهم , ونهب ثروات وخيرات اوطانهم , ورهن مقدراتهم وطاقاتهم بالأجانب والغرباء وتفضيلهم على ابناء وطنهم الاصلاء , وتسليط القوى الخارجية على البلاد بحجة الاستثمارات الاقتصادية  او التعاون المشترك  او الاتفاقيات السياسية , وتشويه سمعة بلادهم وتغييب هويتهم الوطنية, والاهتمام بالقضايا الخارجية واهمال الشؤون الداخلية , ونصرة الغريب والاجنبي على حساب المواطن  ... الخ )) لأفاد وأجاد .

نعم قد تعتري الحياة الزوجية الكثير من المشاكل والمنغصات والتي قد تصل الى الانفصال والطلاق بسبب الخيانة الزوجية او غيرها ؛ الا ان الزواج يبقى زواج ولا يتحول الى سفاح ؛ ما دام المرء متلبسا بالزواج ومؤمنا بعقد الزوجية  ولم يفسخه , وكذلك الحلال يبقى حلال , والحرام يبقى حرام , وكذلك الخيانة تبقى خيانة وان غلفها الخائن بالشعارات الوطنية او الادعاءات والمقامات الدينية او السمات الاخلاقية او الاعمال الخيرية والشمائل الانسانية , او اوجد لها العملاء مبررات سياسية ومسوغات ثقافية وفكرية , ولعل تحسين القبيح وتقبيح الحسن وتجميل صورة الخيانة القبيحة اشد ضررا من الخيانة نفسها ؛ فالخائن عندما يعرف ان الخيانة خيانة وانها مرفوضة من قبل الشرائع والاعراف كافة ومستهجنة من كل بني البشر , ويعترف بقبحها وضررها وسوء عاقبتها ؛ فانه ينطق بالحق ويصدح بالصدق ؛ وينفر الاخرين منها ويحذر المواطنين من مغبتها ؛ على خلاف الخائن الذي يروج لخيانته من خلال  خلط الاوراق والضحك على الذقون ورفع الشعارات والاختفاء خلف الحركات السياسية والدعوات الدينية والفعاليات الشعبية والشعارات الوطنية  ؛ فأمثال هؤلاء ضررهم  لا يقتصر على انفسهم  فحسب بل يشمل مجتمعاتهم واوطانهم ؛ لذلك يعتبر خطرهم أكبر وتأثيرهم أكثر , فالخطورة تكمن في اعتبار الخيانة مجرد وجهة نظر او رؤية سياسية , او في تقبل المواطن للعمل مع الخونة والاخلاص لهم , اذ ان هذه الافكار الهدامة والرؤى المنكوسة تهيء الارضية للالتحاق بركب الخونة والعمل مع اعداء الوطن والامة  والاغلبية العراقية .

فالخيانة تقع ما ان تصبح فكرة مقبولة وثقافة مستساغة ؛ فكأنما تلك الافكار الهدامة مقدمات لحصول الخيانة وتحققها على ارض الواقع , فلا شيء أسوأ من خيانة القلم ، فالرصاص الغادر قد يقتل أفراداً، بينما القلم الخائن قد يقتل أمماً ؛ وعليه تعتبر الخيانة النظرية – ان جاز التعبير – اشد فتكا بالوطن والمواطن من الخيانة العملية .

فالبعض يسوغ الخيانة بحجة تعارض الدعوة الدينية والمصلحة المذهبية مع مبدأ حب الوطن , والبعض الاخر يبرر التبعية والذيلية بذريعة القومية ؛ لأنه يرى ان الدعوة الوطنية تتعارض مع الفكرة القومية , فهم يعتقدون بتعارض الرؤية الوطنية مع الدعوة الدينية والمذهبية والقومية , ويزرعون في عقول الناس فكرة التعارض بين الرؤيتين وعدم انسجامهما معا , بينما قد تكمن الحقيقة في عدم تعارض الولاء للوطن مع الولاء للدين وللعرق والقومية والمكون الاجتماعي ... ؛ لذلك يعمل الخونة وتحت شعار الاواصر الدينية او المذهبية التي تربطنا بهذه الدولة او تلك , او بحجة الانسانية والتواصل مع الاشقاء القوميين وابراز المشتركات الثقافية او تحت ذريعة العولمة والمصالح السياسية مع القوى الاستعمارية ؛ على اضعاف الوطنية في نفوس الناس واستبعاد الهوية العراقية والانسلاخ من تاريخنا وحضاراتنا والتبرؤ من عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا ؛ لصالح ثقافات ومخططات الاخرين من الاجانب والغرباء والدخلاء ؛ ويعد هذا الامر من مظاهر الحرب الناعمة والغزو الثقافي الذي هو اشد فتكا واكثر ضررا من الحرب العسكرية والاحتلال المباشر ؛ فالأعداء والغرباء والدخلاء  يريدون خلط الاوراق , ومزج الحق بالباطل والصدق بالكذب واليقين بالوهم والحقيقة بالخيال والتاريخ بالتدليس والتزوير ؛ مما يتسبب بغسيل الادمغة وتغيير القناعات , وعندها نعمل على توضيح الواضحات وتعريف  المعرّف , ويصبح بين الوطنية والخيانة خيطا رفيعا يكاد لا يرى , وهذا ما يريده الاعداء .

وحقيقة الخائن تكمن في امرين ؛ الاول الاستعانة والتنسيق مع الاجانب والغرباء , والثاني تقديم مساعدته للأجانب والغرباء مقابل منفعة مادية او سطوة او نفوذ او غيرها من المكاسب , وقد يساوم الاعداء الخائن على بيع شرفه ودينه وشعبه و وطنه وقومه ؛ لذلك ينظر الناس الى الخائن نظرة احتقار وازدراء ودونية , فالذي يبيع وطنه واهله وشرفه لا يؤتمن على شيء , ولا يوثق به مطلقا , فمن باع شرفه لا يصعب عليه بيع بني جلدته او التفريط بوطنه , وحتى الاعداء ينظرون الى الخائن نظرة احتقار وعدم احترام , اذ ان مثل الذي خان وطنه وباع بلاده مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه ؛ فالوطنية من شمائل الكرام والخيانة من صفات اللئام  .  

 البعض يحاول تمرير خيانته من خلال التشبث بالدعوات الدينية والقومية والسياسية ؛ فلا تستغرب من هؤلاء عندما يخبروك بأن حب الوطن بدعة ما انزل الله بها من سلطان , وان الهوية الوطنية تقليد للغرب , لذلك تراهم يعملون جاهدين على كتم انفاس كل مظهر يتنفس حبا بالوطن , والالتفاف على كل دعوة وطنية وتسفيهها , وخنق الاصوات الوطنية الحرة والتضييق عليها , والمشكلة تكمن في تمرير مخططات هؤلاء على السذج والحمقى والبسطاء ؛ بينما يستطيع المواطن الواعي وبكل بساطة ؛ كشف تناقضاتهم وابطال ادعاءاتهم وشعاراتهم , واسقاط ورقة التوت التي تستر خيانة البعض منهم .

فهؤلاء ستجدهم صامتين وكأن على رؤوسهم الطير في كل ملحمة داخلية او مصلحة وطنية او مطلب شعبي ؛ اذ تخمد تغريداتهم وتختفي تعليقاتهم وتصريحاتهم , ويلتزمون الحياد وكأنهم مواطني دولة أخرى , ومن الواضح ان التخاذل عن نصرة الوطن والتزام الحياد في القضايا المصيرية ؛ يعد من ابرز صور الخيانة ؛ فهم لا يشاركون ابناء الشعب امالهم وقضاياهم وطموحاتهم ومطالبهم ؛ لانهم مرتبطون بالخارج ولا شأن لهم بالداخل الا بمقدار تنفيذ الاوامر الخارجية وتحقيق المصالح والمكاسب الدولية , وهم يعلمون مغبة التماهي مع الدعوات الوطنية الصادقة ؛ فعندها سيتعرضون لعقوبات الاعداء والغرباء وتتضرر مصالحهم الشخصية والعائلية والفئوية الضيقة ؛ لذلك كانوا ولا زالوا اداة طيعة بيد الاجانب والغرباء والاعداء , وخنجرا مسموما في خاصرة الاغلبية والامة العراقية . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رياض سعد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/07/23



كتابة تعليق لموضوع : مقولة وتعليق ( الخيانة خيانة )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net