آيات قرآنية من کتاب واقعة الطّف لأبي مخنف الازديي (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في کتاب واقعة الطّف للمؤلف أبو مخنف الازديي: من المنازل (نينوى): نينوى المكان الذي نزل به الحسين عليه السّلام فإذا راكب على نجيب له وعليه السّلاح، متنكّباً قوساً مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعاً ينتظرونه، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد وأصحابه ولمْ يسلّم على الحسين عليه السّلام وأصحابه، فدفع إلى الحرّ كتاباً من عبيد الله بن زياد، فإذا فيه: أمّا بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتأبي ويقدم عليك رسولي، فلا تُنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أنْ يلزمك ولا يُفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسّلام. فلمّا قرأ الكتاب، قال لهم الحرّ: هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني فيه أنْ أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله، وقد أمره أنْ لا يُفارقني حتّى أنفذ رأيه وأمره. فنظر الشعثاء، يزيد بن زياد المهاصر الكندي البهدلي إلى رسول عبيد الله ابن زياد فعنّ له، فقال: أمالك بن النّسير البدّي من كندة؟ قال: نعم. فقال له يزيد بن زياد: ثكلتك اُمّك! ماذا جئت فيه؟ قال: وما جئت فيه أطعت إمامي ووفيت ببيعتي. فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك كسبت العار والنّار، قال الله عزّ وجلّ: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إلى النّار وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ" (القصص 32) فهو إمامك.
وعن الحسين وأصحابه ليلة عاشوراء يقول أبو مخنف الازديي في كتابه واقعة الطّف: و لمّا أمسى الحسين عليه السّلام وأصحابه قاموا اللّيل كلّه يصلّون ويستغفرون، ويدعون ويتضرّعون. قال الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني، وهو الذي نجا من أصحاب الحسين عليه السّلام: فمرّت بنا خيل لهم تحرسنا وإنّ حسيناً عليه السّلام يقرأ: "وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا إنّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إنّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا ثماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ المؤمنين عَلَى مَا أنتم عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ" (ال عمران 178-179) فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا، فقال: نحن وربّ الكعبة الطيّبون مُيّزنا منكم. فعرفته، فقلت لبُرير بن حُضير الهمداني: أتدري مَن هذا؟ قال: لا. قلت: هذا أبو حرب السّبيعي الهمداني عبد الله بن شهر، وكان مضحاكاً بطّالاً. وكان شريفاً شجاعاً فاتكاً. وكان سعيد بن قيس ربّما حبسه في جناية. فقال له بُرير بن حُضير: يا فاسق، أنت يجعلك الله في الطيّبين. فقال له أبو حرب: مَن أنت؟ قال: أنا بُرير بن حُضير. قال أبو حرب: إنّا لله، عزّ عليّ، هلكت والله هلكت والله، يا بُرير. قال بُرير: يا أبا حرب، هل لك أنْ تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟ فوالله، إنّا لنحن الطيّبون، ولكنّكم لأنتم الخبيثون. قال أبو حرب مستهزء اً: وأنا على ذلك من الشاهدين. قلت له: ويحك! أفلا ينفعك معرفتك؟
وعن خطبة الإمام عليه السّلام الأولى يقول أبو مخنف الازديي: و لمّا دنا منه القوم دع براحلته فركبها، ثمّ نادى بأعلى صوته يسمع جلّ النّاس: (أيّها النّاس، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما يـ ـحقّ لكم عليّ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم، فإنْ قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النّصف، كنتم بذلك أسعد ولمْ يكن لكم عليّ سبيل، وإنْ لمْ تقبلوا منّي العذر، ولمْ تعطوا النّصف من أنفسكم: "فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثمّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمّةً ثمّ اقْضُوا إليّ وَلاَ تُنظِرُونِ" (يونس 71)، "إِنّ وَلِيّيَ اللّهُ الّذِي نَزّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ" (الأعراف 196). فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين، وبكى بناته و ارتفعت أصواتهنّ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن علي وعليّاً ابنه، وقال عليه السّلام لهما: (سكّتاهنّ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ). فلمّا سكتن، حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله، وصلّى على محمّد صلّى الله عليه وآله وعلى ملائكته وأنبيائه. قال الرأوي: فوالله، ما سمعت متكلماً قط قبله، ولا بعده أبلغ في منطق منه. ثمّ قال عليه السّلام: (أمّا بعد: فانسبوني فانظروا مَن أنا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألسّت ابن بنت نبيّكم صلّى الله عليه وآله، وابن وصيّه وابن عمّه، وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟ أوليس جعفر، الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟ أولمْ يبلغكم قول مستفيض فيكم، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة. فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، فوالله، ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، ويضرّ به من اختلقه. وإنْ كذّبتموني، فإنّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري. أو أبا سعيد الخدري. أو سهل بن سعد السّعدي . وزيد بن أرقم. أو أنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلّى الله عليه وآله لي ولأخي، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟). فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف، إنْ كان يدري ما يقول. فقال حبيب بن مظاهر: والله، إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد، أنّك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك. ثمّ قال لهم الحسين عليه السّلام: (فإنْ كنتم في شكّ من هذا القول، أفتشكون أثراً بعد؟ أمَا إنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري منكم ولا من غيركم، أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة. أخبروني، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟ ـ فأخذوا لا يكلّمونه ... ـ فنادى: يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحرّث، ألمْ تكتبوا إليّ أنْ قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وطمّت الجمام وإنّما تقدم على جند لك مجنّد، فأقبل؟ قالوا له: لمْ نفعل. فقال عليه السّلام: (سبحان الله بلى والله، لقد فعلتم). ثمّ قال عليه السّلام: (أيّها النّاس، إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمني من الأرض). فقال له قيس بين الأشعث: أوَلا تنزل على حكم بني عمّك؟ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ، ولن يصل إليك منهم مكروه. فقال الحسين عليه السّلام: (أنت أخو أخيك محمّد بن الأشعث أتريد أنْ يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد. عباد الله: "وَإِنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ" (الدخان 20) "أعُوذُ بِرَبّي وَرَبّكُم مِن كلّ مُتَكَبّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ" (غافر 27). ثمّ رجع فأناخ راحلته، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat