صفحة الكاتب : علي علي

وجوب التغيير
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    زار طبيب يوما مستشفى المجانين، وفي تجواله في ردهاتها رأى مجنونا غارقا في متاهات أفكاره، فتقدم الطيبب صوبه وسأله:

- أي يوم من أيام الأسبوع نحن فيه؟ فأجاب المجنون:

- اليوم هو يوم السبت. فسأله الطبيب:

- وغدا ماذا سيكون؟ رد المجنون:

- يوم السبت. سأله الطبيب مرة أخرى:

- وماذا كان يوم أمس؟ رد المجنون:

- يوم السبت. هنا سأل الطبيب:

- ومتى يأتي يوم الأحد؟ رد المجنون:

- الأحد يأتي عندما يختلف اليوم عن الأمس، عندما نشعر أننا تقدمنا خطوة للأمام، عندما تكون عدالة اليوم أكثر من عدالة الأمس، وظلم اليوم أقل من ظلم الأمس. الأحد يأتي حين نغير مابأنفسنا، فساعتها نرى ماتغير في قومنا، وعندما نستبدل البغض بالود، والضغينة بالتسامح، والجفاء بالوئام. الأحد يأتي حين يحل السلام والأمن محل الاقتتال والنزاع، ويأتي عندما يملأ سماءنا نور الأمل والانفراج، وينقشع عن أبصارنا ظلام اليأس والقنوط، ويأتي عندما نستعذب الفعل الجميل والرأي الحصيف، ونستنكر الفعل القبيح والرؤى الهجينة الهمجية، الأحد يأتي عندما نتعاون على البر والتقوى، ونمقت الإثم والعدوان، ويأتي حين نحكِّم عقولنا المتنورة الواعية، ونمنحها الغَلَبة على تراكمات الأفكار البالية الرجعية، عندها فقط أيها الطبيب سيأتي اليوم التالي.

  أرى في إجابة هذا المجنون عين العقل، وسعة الإدراك، وسداد الرأي، وأنا على يقين أن كثيرين يؤيدونه على هذا الحكم، ولنا في أنفسنا خير دليل وأصدق حادث وأثبت شاهد، وكما في الآية: "شهد شاهد من أهلها" فقد عهدنا بلدان العالم لاسيما المتطورة منها، أنها لم تكن تنام يوما إلا على موعد مع صبح فيه للتغيير نصيب، من تجديد وتحديث وتطوير في مجالات عدة، حيث العجلة تدور دون توقف طيلة عهود خلت، ومافتئت تدور في ظهرانينا لتنبئنا بين حين وآخر بـ (update) يواكب القفزات المتحققة، على يد علماء وحكماء ومثقفين، على اختلاف تخصصاتهم.

  التغيير إذن، جوهر حياة الفرد -وبالتالي المجتمع- وأول دليل على تبوئه مكانة، يستحق فيها أن يكون خليفة الله في الأرض، ولعل أهم مقولة تجسد هذا، هي ما ينسب إلى الإمام علي (ع):

"مَنِ اِعْتَدَلَ يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ، ومَنْ كَانَتِ اَلدُّنْيَا هِمَّتَهُ اِشْتَدَّتْ حَسْرَتُهُ عِنْدَ فِرَاقِهَا، ومَنْ كَانَ غَدُهُ شَرَّ يَوْمَيْهِ فَمَحْرُومٌ، ومَنْ لَمْ يُبَالِ مَا رُزِئَ مِنْ آخِرَتِهِ إِذَا سَلِمَتْ لَهُ دُنْيَاهُ فَهُوَ هَالِكٌ، ومَنْ لَمْ يَتَعَاهَدِ اَلنَّقْصَ مِنْ نَفْسِهِ غَلَبَ عَلَيْهِ اَلْهَوَى، ومَنْ كَانَ فِي نَقْصٍ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَهُ".

  في بلدنا العراق، أرى أن قباطنة سفينته المبحرة في لج بحر عميق، يتصفون بالجمود وانعدام التغيير في مفاصل البلد كلها تقريبا، إذ صار ديدنهم المعتاد وسمتهم البارزة وطبعهم الغالب، هو الوقوف حيث هم، وكأنهم يصورون ما أنشده الشاعر العباسي أبو الشيص الخزاعي:

وقف الهوى بي حيث أنتِ فليس لي

            متأخَّر عنه ولا متقدَّم

  وهم كنسخة مكررة كل دورة انتخابية، حيث السياسة والنهج ذاتهما، وإن استحدثوا شيئا غير الوقوف فهو المراوحة، بل إلى الوراء در أحيانا كثيرة، حتى اعتاد المواطن على نمطية العيش هذه، ولم يجد بدا في ترديد البيت الثاني للخزاعي:

أَشبَهتِ أَعدائي فَصِرتُ أُحِبُّهُم

إِذ كانَ حَظّي مِنكِ حظّي مِنهُمُ

aliali6212ghaith@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/06/08



كتابة تعليق لموضوع : وجوب التغيير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net