على ضفاف الانتظار(99)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

هل سيهمل جهد العلماء؟
هل هناك ما يدلُّ على أنَّ الإمامَ المهدي سيستغني عن كُلِّ العلماءِ في كُلِّ الاختصاصاتِ ويقومُ هو بإعطاءِ النتائجِ الجاهزةِ في كُلِّ العلوم؟
يتضحُ الجوابُ من النقاطِ الآتية:
النقطة الأولى: إنَّ عالمنا عمومًا هو عالمُ الأسبابِ والمُسببات، لا عالمَ المعجزات، إلا نادرًا وفي حالاتٍ خاصة، ولذا كانَ على الناسِ القيامُ بما عليهم من تأليفِ الأسبابِ وتحصيلِها للوصولِ إلى النتائج.
وفي ذلك رويَ عن أبي عبدِ الله أنَّه قال: «أبىٰ اللهُ أنْ يجريَ الأشياءَ إلَّا بأسباب، فجعلَ لكُلِّ شيءٍ سببًا، وجعلَ لكُلِّ سببٍ شرحًا، وجعلَ لكُلِّ شرحٍ علمًا، وجعلَ لكُلِّ علمٍ بابًا ناطقًا، عرفه من عرفه، وجهله من جهله...» .
النقطة الثانية: نحنُ نؤمن بأنَّ المعصومَ لديه من العلومِ اللدنيةِ ما ينكشفُ له معها الواقع، وأنّه على اطّلاعٍ كاملٍ بعلومِ الكون.
روي أن أَبا جَعْفَرٍ الباقر قال: «واللهِ، إِنَّا لَخُزَّانُ اللهِ فِي سَمَائِه وأَرْضِه، لَا عَلَى ذَهَبٍ ولَا عَلَى فِضَّةٍ، إِلَّا عَلَى عِلْمِه».
النقطة الثالثة: لا توجدُ قاعدةٌ عقليةٌ أو عقلائيةٌ توجبُ أنْ يُعطيَ العالمُ كُلَّ علومه للآخرين، وإنّما هو يُعطي وفقَ الحكمة، ولذا كانَ أميرُ المؤمنين يقول: «هَا، إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْمًا جَمًّا -وأَشَارَ بِيَدِه إِلَى صَدْرِه- لَوْ أَصَبْتُ لَه حَمَلَةً» .
ورويَ عن هشام بن سالم، عن أبي عبدِ الله قال: «إنّما علينا أنْ نُلقيَ إليكم الأصول، وعليكم أنْ تفرعوا». ورويَ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا قال: «علينا إلقاءُ الأصولِ إليكم، وعليكم التفريع».
وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله قَالَ: «مَا كَلَّمَ رَسُولُ اللهالْعِبَادَ بِكُنْه عَقْلِه قَطُّ، وقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ».
ممّا يعني أنَّ إعطاءَ العلومِ للآخرين يرتبطُ بالحكمةِ أو بمستوى قابليةِ الفردِ الذي يُرادُ إعطاؤه العلم.
وممّا تقدّمَ ينتج:
أننا وإنْ كُنّا نعتقدُ بأنَّ الإمامَ المهدي مُطّلِعٌ على جميعِ العلوم، وأنَّ له القدرةَ على الاستغناءِ عن كُلِّ العلماءِ في كُلِّ المجالات، ولكنّه لا يفعلُ ذلك لحكمةٍ، باعتبار: أنّه يُريدُ من الناسِ أنْ يصلوا بجدِّهم واجتهادهم إلى النتائج، وهو يدخلُ على الخطِّ كمُعلِّمٍ لهم ومُرشدٍ نحو النتائجِ الصحيحة.
ولذلك نجدُ أنّه يفتحُ أشبهَ بالمدراسِ العلميةِ التي يُديرها عُلماءُ من أصحابه لتعليمِ الناسِ العلومَ القرآنية، ممّا يعني أنَّ العلمَ ما زالَ يأتي للفردِ بطريقةٍ كسبيةٍ لا إيحائية.
فقد رويَ أنَّ الإمام أبا جعفر الباقر قال «إذا قامَ قائمُ آلِ محمّدٍضربَ فساطيطَ لمن يُعلِّمُ الناسَ القرآنَ علىٰ ما أنزلَ اللهُ، فأصعبُ ما يكونُ علىٰ من حفظه اليوم؛ لأنَّه يُخالفُ فيه التأليف».
وهذا الحديثُ فيه دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ الأمَةَ لا بُدّ أنْ تعتمدَ على الطرقِ العلميةِ لتحصيلِ العلومِ المتعارفة.
أو قُلْ: إنَّ العلمَ الإلهي والوحياني لا يقومُ مقامَ الجُهدِ الإنساني في تحصيلِ العلوم، وتطويرِ الحياة، بل إنَّ الدينَ عمومًا تركَ مساحةً واسعةً في الحياةِ لجهدِ الإنسانِ نفسه، لعمله، ولجِدِّه، وكسبه، وتجاربه.
ومن يقُلْ: إنَّ على الدينِ أنْ يقومَ بكُلِّ شيءٍ نيابةً عنه، فإنّما هو كسولٌ لا يُريدُ أنْ يُحرِّكَ ساكنًا، أو مُتوهِّمٌ مُشتبه، والواقعُ خيرُ برهان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat