مشتقات الابادة في القرآن الكريم (تبيد)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن تبيد "وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَدًا" ﴿الكهف 35﴾ تبيد فعل، تبيد: تهلك، وتفنى، و تخرب. أَنْ تَبِيدَ: لا تفنى ولا تتلف. ودخل حديقته، وهو ظالم لنفسه بالكفر بالبعث، وشكه في قيام الساعة، فأعجبته ثمارها وقال: ما أعتقد أن تَهْلِك هذه الحديقة مدى الحياة، وما أعتقد أن القيامة واقعة، وإن فُرِضَ وقوعها -كما تزعم أيها المؤمن- ورُجعتُ إلى ربي لأجدنَّ عنده أفضل من هذه الحديقة مرجعًا ومردًا؛ لكرامتي ومنزلتي عنده.جاء في تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله جل جلاله "وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَدًا" (الكهف 35) "ودخل جنته" بصاحبه يطوف به فيها ويريه أثمارها ولم يقل جنتيه إرادة للروضة وقيل اكتفاء بالواحد "وهو ظالم لنفسه" بالكفر، "قال ما أظن أن تبيد" تنعدم "هذه أبدا".
وعن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (بيد) "تبيد" (الكهف 36) تهلك، وبادوا، و أبادهم الله. قوله تعالى "ولم تعلموهم أن تطؤهم" (الفتح 25) الوطاء: عبارة عن الإيقاع والإبادة. جاء في التحقيق في كلمات القرآن الكريم عن معنى كلمة بيد للشيخ حسن المصطفوي: باد يبيد بيدا وبيودا: هلك، ويتعدّى بالهمزة فيقال أباده اللّه تعالى. و البيداء: المفازة، والجمع بيد بالكسر. وبيد مثل غير وزنا ومعنى، يقال هو كثير المال بيد أنّه بخيل. باد الشيء يبيد بيدا وبيادا وبيودا وبيدودة: انقطع وذهب، وهلك. وبادت الشمس بيودا: غربت. وأباده اللّه أي أهلكه. والبيداء: الفلاة، المفازة. بيد: باد الشيء يبيد بيادا: إذا تفرّق وتوزّع في البيداء أي المفازة، وجمع البيداء بيد. بيد: أصل واحد، وهو أن يودى الشيء. يقال باد الشيء بيدا وبيودا إذا أودى. والبيداء المفازة من هذا أيضا، والجمع بينهما في المعنى ظاهر. والتحقيق: أنّ المعنى الحقيقي لهذه المادّة: هو التبدّد والتفرّق بين الأجزاء واختلال في جريان ونظم. ولا يبعد ان يكون بين البدّ والبيد اشتقاق اكبر، وأن يكون البدّ اوّل مرتبة من التفرّق، والبيد ما تحصّل منه والمرتبة الثانية، بمناسبة فكّ الإدغام وقلب الدال المشدّد ياء. وبهذا الاعتبار يسمّى الأراضي المتّسّعة التي ليست فيها آثار العمارة بيداء، فكأنّها متبدّدة قد باد ما كان فيها من صور العمارات. وأمّا البيد بمعنى الغير: فباعتبار تبدّد الحالة السابقة في ذلك المورد وتبدّلها الى هذه الحالة المستثناة المستخرجة. "وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا" (الكهف 35) أي ما أظنّ أن تنمحي هذه العمارة وتتبدّد هذه الصورة من نظم الإنهار والأشجار والعمارة بحصول اختلاف في جريانها.
جاء في كتاب تفسير التبيان للشيخ الطوسي: أخبر الله تعالى عن أحد الرجلين اللذين ضرب بهما المثل، وهو صاحب الجنتين أنه دخل جنته وهي البستان الذي يجنه الشجر ويحفه الزهر، "وهو ظالم لنفسه" ﴿الكهف 35﴾ أي باخس لها حقها بارتكاب القبيح والإخلال بالواجب اللذين يستحق بهما العقاب ويفوته بهما الثواب، فلما رأى هذا الجاهل ما راقه وشاهد ما أعجبه، وكبرفي نفسه توهم أنه يدوم، وأن مثله لا يفنى، فقال "ما أظن ان تبيد هذه أبدا" ﴿الكهف 35﴾ أي تهلك هذه الجنة أبدا "وما أظن الساعة قائمة" ﴿الكهف 36﴾ يعني يوم القيامة أي تقوم، كما يدعيه الموحدون. ثم قال " ولئن رددت إلى ربي" ﴿الكهف 36﴾ وجدت "خيرا منها" ﴿الكهف 35﴾ يعني من الجنة. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى "قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَدًا" ﴿الكهف 35﴾ قال الرازي: (كيف قال: ما أظن أن تبيد هذه أبدا مع أن الحس يدل على أن الدنيا بأسرها ذاهبة غير باقية ؟ . قلنا، ان المراد انها لا تبيد مدة حياة صاحبها ووجوده).
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَدًا" ﴿الكهف 35﴾ البيد والبيدودة الهلاك والفناء والإشارة بهذه إلى الجنة، وفصل الجملة لكونها في معنى جواب سؤال مقدر كأنه لما قيل: ودخل جنته قيل: فما فعل؟ فقيل: قال: ما أظن أن تبيد إلخ. وقد عبر عن بقاء جنته بقوله: "ما أظن أن تبيد" إلخ ونفي الظن بأمر كناية عن كونه فرضا وتقديرا لا يلتفت إليه حتى يظن به ويمال إليه فمعنى ما أظن أن تبيد هذه أن بقائه ودوامه مما تطمئن إليه النفس ولا تتردد فيه حتى تتفكر في بيده وتظن أنه سيفنى. جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَدًا" ﴿الكهف 35﴾ بناءاً على هذا فأنا أملك قوّة إِنسانية كبيرة وعندي مالٌ وثروة، وأنا أملك ـ أيضاً ـ نفوذاً وموقعاً إِجتماعياً، أمّا أنت (والخطاب لصاحبه) فماذا تستطيع أن تقول، وهل لديك ما تتكلم عنه؟ لقد تضخَّم هذا الإِحساس ونما تدريجياً كما هو حاله ووصلَ صاحب البستان إلى حالة بدأ يظن معها أنَّ هذه الثروة والمال والجاه والنفوذ إِنّما هي أُمور أبديّة، فدخل بغرور إلى بستانه (في حين أنَّهُ لا يعلم بأنَّهُ يظلم نفسه) ونظر إلى أشجاره الخضراء التي كادت أغصانها أن تنحني مِن شدَّة ثقل الثمر، وسمع صوت الماء الذي يجري في النهر القريب من البستان والذي كان يسقي أشجاره، وبغفلة قال: لا أظن أن يفنى هذا البستان.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat