قبل موعد (الامتحان) بساعتين دخل النادي الطلابي ثلاثة أصدقاء. اختاروا طاولة منزوية بعيدًا عن الصخب والجدال العام، كانت طاولة صغيرة يستدير حولها ثلاثة من الكراسي المرتفعة قليلًا، ومغطاة بجلد ملون، وقد أحسن عامل النادي توزيعها في قبالة ألوان الطاولة الأربعة، ليبقى اللون الأسود لا كرسي يشبهه أمامه.
شكل أحمد، وعلي، وزياد مثلثًا حول الطاولة، وافترشوا الألوان الأربعة بالأوراق المزينة بقلم التظليل، وأخذوا يراجعون مادة (الامتحان)، وتتخلل ذلك نقاشات جانبية يختمها المنهزم منهم بعبارة (لنرجع للدراسة أفضل).
كان زياد يجلس قبالة مدخل النادي كعادته، ويضيع أكثر وقت رفيقيه بالتعليق على الداخلين والخارجين.
وفي لحظة ملل من مسائل مادة (الامتحان) تذاكر أحمد، وعلي موضوعًا يتعلق بالهوية الثقافية، ومحاولات طمسها بالترويج للشذوذ، والعادات السيئة، ووجها لومًا لاذعًا لبعض المنظمات والمسؤولين المتواطئين مع هذا الإفساد الخطير، وقطع انهماكهما في الحوار تعليقًا مباغتًا من رفيقهما - وهو يحدق في مدخل الصالة - : (( لماذا أنتم منزعجون؟ هؤلاء أفضل من الذين يقتلون الشعب، ويسرقون ثرواته)).
قبل أن تسمع أذن علي هذا التعليق كانت كلمات لسانه تسابق سمعه في الحديث عن مهزلة حفل تصدرت الخلاعة مشهده في ذكرى العيد الوطني للبلد.
وما إن نطق علي جملته، كان زياد قد أنهى تعليقه، فبادر مباشرة لإعادته ردًا على تذمر علي من الخليعات، ومن دعاهن للحفل : (( لماذا أنتم منزعجون؟ هؤلاء أفضل من الذين يقتلون الشعب، ويسرقون ثرواته)).
وبينما أخذ أحمد يسرد أجوبة حلية على تعليق زياد، ويشرح له بكل حواسه خطورة طمس الهوية الثقافية للمجتع، وأن قتل الروح المعنوية، وسرقة عقول الشعب، وتغيير فكرهم للأسوأ، ونشر التحلل بينهم لا يقل خطورة عن قتلهم بالرصاص، وسرقة الأموال.
كان علي يحدق مشدودًا في وجه زياد، وهو يلملم خيوط جوابٍ نقضيٍ يسكته به، ويردع اعتراضه المستمر.
ورأى أن إسكاته بأن الأفضل له أن يركز بدراسته ويترك مراقبة الداخلين والخارجين لا يشفي الغليل في رده، وأن ثمة جواب قريب منه لكنه لم يجد بعد طريقة للتعبير عنه.
أمسك علي القلم وهم بالشطب على بعض أوراق زياد، لكي يمهد للجواب الذي يدور في ذهنه.
لكن حركة اضطراب سريعة بدر بها زياد، وهو ينظر لباب النادي، وقد أشاح بوجهه سريعًا مطلقًا زفرة من الغضب.
التفت أحمد، وعلي وراءهما فوجدا الصديق الأقرب لزياد قد دخل النادي، فعجبا من تصرف صاحبهما، وبادره أحمد مستغربًا: (( هل تقصد رفيق دربك؟!!))
- أنا من اليوم لا أعرفه، وأنهيت علاقتي به.
- لماذا؟
- كنا ليلة البارحة نناقش (كلاسيو الريال وبرشلونة) فشتم أمي رحمها الله.
بادره علي كأنه انتهز الضربة القاضية : (( ولماذا تنزعج من شتيمته، أليس هو أفضل من الذين يقتلون الشعب ويسرقون))
- وضع أحمد يده على فمه مخفية ضحكة تكاد تنفجر.
بينما لجأ زياد لعبارة : (لنرجع للدراسة أفضل).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat