البعثات الدبلوماسية في العراق.. خط أحمر للحكومة، فهل يتكرر تجاوزه؟
في ظل السجال المتصاعد بين الفصائل العراقية المسلحة والقوات الأمريكية في العراق، حددت حكومة بغداد البعثات الدبلوماسية في العراق بمثابة خط أحمر لا ينبغي تجاوزه، وتجسد ذلك بتحذيرات وتوجيهات متتالية على لسان رئيس الحكومة بملاحقة مرتكبي الهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد.
الموقف الحكومي لم يتوقف عند هذا الحد، بل وجه القائد العام للقوات المسلحة العراقية، وهو نفسه رئيس الوزراء، بإحالة الضباط في قاطع السفارة إلى لجان تحقيقية، وتبديل الفوج الرئاسي بفوج من الفرقة الخاصة لمسك القاطع المذكور.
ويرى مراقبون أن تصعيد الهجمات التي باتت تطال البعثات الدبلوماسية في العراق وليس فقط قوات التحالف الدولي في العراق، من قبل فصائل مسلحة بات يقتضي موقفا صارما من بغداد.
وهو ما يفسر حدة نبرة البيان الصادر عن الناطق باسم السوداني، والذهاب لحد وصف تلك الهجمات بالإرهابية.
فيما يبدي محللون تشاؤمهم من قدرة الحكومة العراقية على كبح جماح الفصائل.
مشيرين إلى أن الذهاب نحو مواجهة مباشرة مع هذه الجماعات المسلحة، قد يزيد من تعقيد الوضع العراقي وتأزيمه.
وكان القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، وجه أمس الجمعة، بملاحقة مرتكبي اعتداء إطلاق المقذوفات باتجاه السفارة الأمريكية، وتقديمهم للعدالة.
وقال السوداني إن التلاعب باستقرار العراق، والإساءة للأمن الداخلي، ومحاولة التعريض بسمعة العراق السياسية، واستهداف أماكن آمنة محمية بقوة القانون والأعراف والاتفاقيات الدولية، هي “أعمال إرهابية“.
يقول مدير مركز التفكير السياسي ببغداد إحسان الشمري، في حديث، “رغم أن بيان الحكومة العراقية وصف هجمات الفصائل بأنها تندرج في خانة الأعمال الإرهابية، لكن هذا لا يعني أن الحكومة ستدخل في مواجهة معها”.
معتبراً أن البيان “موجه بالدرجة الأولى لواشنطن من خلال رفع سقف الخطاب الحكومي المندد بهذه العمليات، لكن عمليا لا جديد”.
ورأى أن “البيان لن يقود لصدام عسكري بين الحكومة والفصائل، كون البيئة السياسية الحاضنة والداعمة لرئيس الحكومة هي ذاتها التي تنتمي لها الفصائل، إلا إذا قرر السوداني التمرد على تلك البيئة”.
وأشار إلى أن “عدم نجاح بغداد في كبح هذه الهجمات المتكررة رغم مرور نحو شهرين على بدايتها، مرده أن الموضوع عابر للشأن العراقي”.
ورأى أنه “من الصعوبة مواجهة هذه الجماعات، كونها تعني حدوث اشتباك داخلي بين المنظومة الأمنية وتلك الفصائل”.
مبيناً أن الطرفين “ليسا في وارد دخول هكذا مواجهة محفوفة بالمخاطر والمحاذير”.
بدوره حذر الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، من ان استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق يهدد أمن واستقرار البلاد، وتسيء لسمعة العراق الدولية.
ورأى أن “بغداد أمام تحدي إثبات قدرتها على ضبط الأمن وفرض القانون وكبح تمادي هذه الجماعات، في جر العراق لخدمة أجندات خارجية في ظل التجاذبات الإقليمية والدولية”.
واعتبر أن “الخيار الأمثل هو تفعيل الجهد الاستخباري لكشف واحباط مثل هذه الهجمات”.
مشيراً إلى ان ذلك يأتي “في ظل تعذر المواجهة المباشرة مع تلك الفصائل والتي ستضر بمصلحة البلاد واستقرارها”.
ويتصور البيدر أن “الإدارة الأمريكية متفهمة للموقف الحكومي، لكن قد تذهب إلى خيار الرد واستهدافات جديدة”.
لافتا إلى أن “هذه الاستهدافات تؤثر على سمعة العراق ومكانته، وتفسح المجال للولايات المتحدة في التدخل”.
داعياً إلى “زيادة الجرع الأمنية في بغداد لمنع تكرار مثل هكذا هجمات”.
إلى ذلك حذر مراقبون سياسيون من دخول البلاد في عزلة دولية جراء استهداف البعثات الدبلوماسية في العراق.
ويقول المحلل السياسي فلاح المشعل، إن “الرشقات الصاروخية التي وجهت للسفارة الأمريكية وطالت دائرة جهاز الأمن الوطني تمثل تطورا دراماتيكيا خطيرا”.
مبيناً أن “هذا الأمر يؤكد أن المواجهات ارتفعت مستوياتها ووصلت إلى حد التصادم وضرب المقار الدبلوماسية”.
ويصف المشعل، هذا الاستهداف، بـ”الخطير جدا، لأن المنطقة الخضراء تمثل الحكومة العراقية، فهي تحتضن القصر الحكومي والدوائر الأمنية والإدارية المهمة كالأمن الوطني والمخابرات والداخلية والدفاع، وحتى هيئة الحشد الشعبي”.
ويرى أن “هذا التطور يمثل انتقالة من ضرب القواعد والمعسكرات الأمريكية إلى المقار الدبلوماسية”.
مبيناً ان هذا “ما دفع الحكومة لوصف هذه العمليات بكونها عمليات إرهابية، وأن من يعمل على هذه الإثارة يهدف إلى زعزعة النظام وبالتالي هو إرهابي، بحسب وصف رئيس الحكومة”.
وعن أسباب هذا التطور، يذهب المشعل إلى أن “سياق الأمور يمكن أن يبنى على أن يكون هذا الاستهداف ردا على ما حصل في كركوك، وفي الوقت نفسه فإنه كتطور ينبئ بأن الأمور لن تقف عند هذه النقطة”.
ويوم الأحد الماضي، استهدفت ضربة أمريكية حركة النجباء في قضاء الدبس بمحافظة كركوك، تسببت بقتل 5 من عناصرها.
ويرجح المشعل، أن “يزداد الوضع الأمني تدهورا إذا استمرت مثل هذه الضربات، لأن بيان السفارة الأمريكية أوضح أنها قادرة على أن تحمي نفسها وترد”.
مبيناً ان “هذا الرد يؤكد على أن الأمور ذاهبة إلى تطورات سيئة جدا، وتدعو إلى موقف جديد من جميع القوى السياسية سواء في الحكومة أو خارجها”.
من جهته، يعتقد المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “استهداف البعثات والمقار الدبلوماسية ليس من مصلحة العراق”.
مضيفاً انه “يضعف حكومة السوداني ويضعف مركز العراق ويبعد التجارة والاستثمار العالمي، ويتسبب في عزل العراق دوليا ويضعه في خانة الدول الرخوة”.
ويضيف الدعمي: “بغض النظر عن الجهات التي قامت بالفعل، لكن قرار غير موفق ولا يصب بمصلحة الشعب العراقي”.
لافتا إلى أن “هذه العمليات تبدو ممنهجة وتقع ضمن خطة لإبعاد العراق عن العالم، وجعله ضعيفا”.
المصدر: سكاي نيوز+العالم الجديد
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat