حوارية (١٥٠) زيارة الأربعين... رحلة تزكية لا عرض إعلامي
زاهر حسين العبدالله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

☝️السائل  :

سلام عليكم أستاذي، لاحظت في مشاية الأربعين بعض الزوار والزائرات مشغولين بتوثيق رحلتهم ليروها الآخرين في السناب شات وغيرها من وسائل التواصل، فتأذّيت، فهل من توجيه نرسله للأحبة كي يتنبّهوا لذلك؟

✋الجواب بسمه تعالى:

 إن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في الأربعين هي عبادة قلبية قبل أن تكون مسيرة بدنية، ومقصدها الأسمى هو تهذيب النفس والسمو بالروح، لا الانشغال بعدّ الصور والمقاطع، فإن الله سبحانه وتعالى وكَّل بنا ملائكة يسجّلون أعمالنا، وقد ورد النهي عن الحديث عن النفس أو الأعمال التي وُفِّق لها العبد من قبل الله سبحانه، ففي رواية عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:

<< لا تقطعوا نهاركم بكذا وكذا، وفعلنا كذا وكذا، فإن معكم حفظة يحفظون علينا وعليكم، اذكروا الله في كل مكان فإنه معكم». (1)

☝️السائل :

هل من توجيهات عامة ينبغي مراعاتها كي لا نقع في فخ العرض الإعلامي للناس؟

✋الجواب: 

أوصي نفسي وإياكم بتوجيهات عامة في زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام)، التي من المفروض أن تكون إحدى علامات المؤمن الخمس الواردة في الرواية الشريفة:

✦ توجيهات عملية:

 أولاً: تجديد النية قبل الانطلاق وأثناءه، وتذكير النفس بأن هذه الرحلة لله سبحانه، ولإحياء أمر الإمام الحسين (عليه السلام)، وليست لإعجاب الناس أو جمع المتابعين. لنكن مصداقًا للرواية عن الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال لفضيل:

(تجلسون وتحدثون؟) قال: نعم، جعلت فداك. قال: «إن تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر». (2)

ثانياً: تقليل التوثيق الرقمي؛ التقط صورة أو اثنتين أو ثلاث عدد يسير للذكرى إن أردت، لكن لا تجعل هاتفك رفيق كل خطوة تخطوها في درب مولانا الإمام الحسين (عليه السلام)، فذلك يشتّت الخشوع والتوجه. ونحاول أن نترك جهاز الجوال ونستبدله بالمسبحة أو الكتاب، مستثمرًا وقت المشي في ذكر الله، وقراءة الزيارة، أو الاستماع لمحاضرات عن مولانا الإمام الحسين (عليه السلام) نتربّى من خلالها على أهدافه وقيمه وأخلاقه عليه السلام، فنأخذها نبراسًا ونورًا نهتدي به في قولنا وفعلنا، كما ورد في الرواية عن ابن سنان، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال:

(نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الحسين بن علي (عليهما السلام) وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا». ثم قال (عليه السلام): «بأبي قتيل كل عبرة». قيل: وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله؟ قال: «لا يذكره مؤمن إلا بكى». (3)

ثالثاً: التركيز على المعنى لا المظهر؛ فقيمة الزيارة في حضور قلوبنا ونثر دموعنا على مصيبة مولانا الإمام الحسين (عليه السلام)، لا في جمال الفلتر الذي يُظهرنا في غير واقعنا أو الاهتمام بعدد المشاهدات وقراءة التعليقات، لكي تكون نيتنا خالصة لوجه الله سبحانه، فيوفّينا بفضله الأجر والثواب. ولنعلم أن أعمالنا ستُعرض على من هم أولى بالنظر في صحيفة أعمالنا، كما في قوله تعالى:

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة: 105). 

رابعاً: مراقبة أثر أعمالنا على القلب، وذلك بسؤال النفس سؤال المستنكِر والمستفهِم: هل خرجتُ من الزيارة أنقى قلبًا وأقرب لله سبحانه؟ أم كان همّي كيف أُظهر نفسي للناس؟ فتحبط أعمالنا – والعياذ بالله – وتكون سببًا في دخول النار بدل الأجر والثواب، فقد ورد التحذير من ذلك في الروايات، فعن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام)

(يُجاء بعبد يوم القيامة قد صلى، فيقول: يا رب صليت ابتغاء وجهك. فيقال له: بل صليت ليقال ما أحسن صلاة، اذهبوا به إلى النار». (4)

خامسا ً: ردُّ الحقوق التي علينا

ينبغي ردّ الحقوق إلى أصحابها، سواء كانت خفيّة أو ظاهرة.

فالحقوق الخفيّة مثل: الغيبة، أو النميمة، أو غيرها من المظالم المعنوية، ويكون ردّها بطلب العفو والحلّ وإبراء الذمّة من صاحبها.

أما الحقوق الظاهرة، فهي كالديون التي أُخذت من أيدي الناس ولم تُرَد، فيجب أداؤها قبل أن تفكّر في زيارته.

وقد وردت رواية تشير إلى هذا المعنى الدقيق في وصايا مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لنوف البكّالي. حيث 

يقول :إن الله عز وجل أوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلام قل للملاء من بني إسرائيل لا يدخلون بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأكف نقية، وقل لهم اعلموا أني غير مستجيب لاحد منكم دعوة، ولاحد من خلقي قبله مظلمة. (5)

 

والأخيرا: إحياء الجانب الروحي الجماعي؛ شارك إخوانك الزائرين في الدعاء والعزاء والضيافة، وتذاكر العلم والروايات الحاثة على ثواب الزيارة، وقراءة القرآن الكريم بدل الانشغال بالتصوير، فهذا أدعى للأنس بالله، كي نكون مصداقًا لقوله تعالى:

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} 

فلنعمل على التواصي بالخير والحث عليه، والحمد لله رب العالمين.

✍️ بقلم الفقير: زاهر حسين العبد الله

 

المصادر:

(1) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 10 – ص 92.

(2) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 44 – ص 282.

(3) مستدرك الوسائل – الميرزا النوري – ج 10 – ص 318. 

(4) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – ص 1019.

(5)بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٦ - الصفحة ٢٧٥. 

الموضوع السابق ثروات تُكدَّس ومواطن يُفلِس

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat