صفحة الكاتب : حامد كماش آل حسين

مقالات في مناقب المرتضى 10 : لقب «الصديق»
حامد كماش آل حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مقدمة:

لابد من الإشارة إننا في هذه المقالات ليس الغرض منها أضافة شيء جديد بخصوص المناقب والفضائل الخاصة بالإمام علي «عليه السلام» أو نأتي بقراءة جديدة لها، وإنما الغرض منها هو ذكر وتوضيح وأثبات تلك المناقب والفضائل ورفع بعض الشبهات عنها وكذلك رد من يحاول تفريغ تلك المناقب من خصوصيتها ومضمونها، وذلك بالاستعانة بمختلف المصادر والنقل عنها.

ومن المعلوم ان ألقاب وفضائل أمير المؤمنين علي «عليه السلام» بلغت من الكثرة والشهرة حداً لم يتمكن أعدى أعدائه من إنكارها، رغم كل الجهود التي بذلت في ذلك.

·       قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين)).(1)

·       وقال احمد بن حنبل عن الإمام علي «عليه السلام»: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في علي)).(2)

ونتيجة لعدم إمكانية إخفاء هذه الفضائل حاولوا أن يتقاسموها، وينحلوها الى الآخرين، حتى لا تكون خصوصية للإمام علي «عليه السلام»، وهذا دليل على أن كل فضيلة لوحدها تمثل مقاماً رفيعاً، ورغم كل هذه المحاولات بقي الإمام علي «عليه السلام» صاحب الخصوصيات التي لم يشاركه فيها أحد، وقد تكلمنا في مقالات سابقة عن:

1.   لقب «أمير المؤمنين».

2.   لقب «قائد الغر المحجلين».

3.   لقب «يعسوب الدين».

4.   لقب «أبو تراب».

5.   لقب «إمام المتقين».

6.   منقبة «وليد الكعبة».

7.   لقب ومنقبة وصفه بـــ«السيد».

8.   منقبة «قسيم الجنة والنار».

9.   منقبة «أول من أسلم».

واليوم نتكلم عن لقب «الصديق»:

تمهيد:

الصديق الأكبر لقب مختص بالإمام علي «عليه السلام»، لقبه بذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم»، وكذلك الصديقة الكبرى من القاب السيدة فاطمة الزهراء «عليها السلام».

والصِّدِّيقُ، هو الدائم التصديق، والذي يصدقُ قوله بالعمل، والصديق، والمصداق يعني المبالغ في الصدق.

ورد لفظ الصديق في القرآن الكريم بصورة المفرد وبصورة الجمع، كما عبر القرآن عن إبراهيم وأدريس بالصديق، وعن مريم بالصديقة، وقد ورد في الروايات لقب الإمام علي «عليه السلام» بالصديق، وكذلك لقبت السيدة فاطمة الزهراء «عليها السلام» بالصديقة أو الصديقة الكبرى.

معنى الصديق:

الصديق: معناه المبالغ في الصدق، وهو الذي يصدق قوله بالعمل، وقد لقب بعض الأنبياء الذين ورد أسمائهم في القرآن بهذا اللقب.

·      قال ابن منظور في لسان العرب:

((... والصديق، مثال الفسيق: الدائم التصديق، ويكون الذي يصدق قوله بالعمل؛ ذكره الجوهري، ولقد أساء التمثيل بالفسيق في هذا المكان، والصديق: المصدق، وفي التنزيل: وأمه صديقة أي مبالغة في الصدق والتصديق على النسب أي ذات تصديق ...)).(3)

·      قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن:

((... والصديق: من كثر منه الصدق، وقيل: بل يقال لمن لا يكذب قط، وقيل: بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل: بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله:

-      قال: «واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً»(4)

-      وقال: «واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقاً نبياً»(5)

-      وقال: «وأمه صديقة»(6)

-      وقال: «فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء»(7)

فالصديقون هم قوم دون الأنبياء في الفضيلة ...)).(8)

·      قال الصاحب بن عباد في المحيط في اللغة:

(( ... والصِّدِّيْقُ: الكثير الصدق ..)).(9)

·      قال ابن فارس في مقاييس اللغة:

(...وَالصِّدِّيقُ: الملازم للصدق ..).(10)

·      قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر:

( ... وفيه ذكر «الصديق» قد جاء في غير موضع، وهو فعيل للمبالغة في الصدق، ويكون الذي يصدق قوله بالعمل ...).(11)

·      قال الخازن في تفسيره :

(الصديق : الكثير الصدق ... والصديقون هم أتباع الرسل الذين اتبعوهم على مناهجهم بعدهم ، حتى لحقوا بهم ، وقيل الصديق هو الذي صدق بكل الدين ، حتى لا يخالطه فيه شك).(12)

·      قال القرطبي في تفسيره:

( الصديق: فعيل، المبالغ في الصدق أو في التصديق، والصديق هو الذي يحقق بفعله ما يقول بلسانه، وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء الذين يسبقونهم إلى التصديق ...).(13)

·      قال السعدي في تفسيره:

(الصديقون: هم الذين كملوا مراتب الإيمان والعمل الصالح، والعلم النافع، واليقين الصادق).(14)

·      قال المولى المازندراني في شرح أصول الكافي:

عند شرحه لقول الإمام الباقر «عليه السلام»: «إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صديقاً»:

((فعيل للمبالغة في الصدق وهو يطلق على فعل اللسان إذا طابق الواقع فلو قال ضرب زيد وهو لم يضرب أو قال «وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض» وكان وجه قلبه إلى غيره تعالى مثل الدنيا وغيرها فهو كاذب، وعلى فعل القلب مثل النية وصدقها تجريدها عن غير وجه الله تعالى وهو الإخلاص والعزم على الخيرات مع عقد القلب عليها إن وجد مالا فلو كان بدون العقد كان كاذباً، وعلى التوافق بين الظاهر والباطن فلو كان لظاهره وقار فصدقه بأن يكون لباطنه أيضاً وقار، وعلى كل مقام من مقامات الدين إذا حصلت حقيقة مثل الصوم والصلاة والحج والزهد والمحبة والتوكل والخوف والرجاء والرضا والشوق وغيرها، فإن هذه الأمور صادقة إذا حصلت حقيقتها للمتصف بها وكاذبة إذا لم تحصل. وعلى الوعد إذا وفي بها كما قال سبحانه «رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه» ومن بلغ في هذه الأمور وغيرها حد الكمال أو قريباً منه فهو صديق)).(15)

وعلى هذا فإن الرجل المتصف بهذه الصفة لا يمكن معرفته إلا بمعرفة باطنه، وهذا أمر مختص بالله تعالى وبالمعصوم «عليه السلام».

والقرآن الكريم وصف أشخاصاً بهذه الصفة كلهم معصومون كالنبي إبراهيم والنبي إدريس والنبي يوسف والسيدة مريم «عليهم السلام».

ومكانة الصديقين مكانة عالية ويظهر من قوله تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)(16)، أن مكانة الصديقين تلو الأنبياء.

الأحاديث:

1.   عن أبي ذر، وعن سلمان، قالا: ((أخذ رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» بيد علي «عليه السلام»، فقال: إن هذا أول من آمن بي وهو أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالم)). (17)

2.   عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال: ((قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: الصديقون ثلاثة حبيب بن موسى النجار وهو مؤمن آل يس، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب الثالث هو أفضلهم)).(18)

3.   ((عن عباد بن عبد الله سمعت علياً «عليه السلام»، يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي الا كاذب مفتر، صليت قبل الناس بسبع سنين)).(19)

4.   عن الباقر «عليه السلام» قال: ((قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: خذوا بحجزة هذا الأنزع «يعني علياً»، فإنه الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل، من أحبه هداه الله ومن أبغضه أضله الله، ومن تخلف عنه محقه الله)).(20)

5.   عن معاذة العدوية قالت: ((سمعت علياً «عليه السلام» يخطب على المنبر وهو يقول: أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم)).(21)

شبهات وردود:

نص الشبهة:

لقد وضع الآخرون عدة روايات وذكروا فيها ان لقب الصديق من القاب أبي بكر منها:

1.   في صحيح البخاري وغيره:

((عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم: أن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» صعد أحداً وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: «أثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان»)).(22)

ويرد على الرواية:

‌أ.       أنس متهم في الإمام علي «عليه السلام» إذ سبق وان كتم حديث الغدير عندما ناشده أمير المؤمنين «عليه السلام» فادعى النسيان.

‌ب.ان الوضع في الرواية واضح، إذ لماذا يرجف جبل أحد من ركوب النبي «صلى الله عليه وآله» ومن معه.

‌ج.  ثم من أعلم أنساً بذلك ولم يكن معهم، وهو لم ينسب الحديث لأي واحد منهم.

2.   في السيرة النبوية لإبن هشام:

ما ذكروه من حادثة الإسراء والمعراج: (( عن الحسن ..... ثم انصرف رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى مكة، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر، فقال أكثر الناس: هذا والله الإمر البين والله إن العير لتطرد، شهراً من مكة إلى الشام مدبرة، وشهراً مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة قال: فارتد كثير ممن كان أسلم، وذهب الناس إلى أبي بكر، فقالوا له: هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس، وصلى فيه ورجع إلى مكة قال: فقال لهم أبو بكر: إنكم تكذبون عليه، فقالوا بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس، فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: يا نبي الله أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال: نعم، قال: يا نبي الله، فصفه لي، فإني قد جئته «قال الحسن: فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: فرفع لي حتى نظرت إليه» فجعل رسول الله «صلى الله عليه وآله» يصفه لأبي بكر، ويقول أبو بكر: صدقت أشهد أنك رسول الله، كلما وصف له منه شيئاً، قال: صدقت، أشهد أنك رسول الله، حتى إذا انتهى، قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأبي بكر: وأنت يا أبا بكر الصديق ؟ فيومئذ سماه الصديق، قال الحسن: وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك: «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً» فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وما دخل فيه من حديث قتادة)).(23)

وهذا الحديث مردود من وجوه:

‌أ.       الرواية مرسلة، بالإضافة إلى كونها خليط بين نقل قتادة والحسن.

‌ب.الرواية تقول: (فارتد كثير ممن كان أسلم)، وهذا غريب فحادثة الإسراء كانت في أوائل البعثة، والمسلمون قليلون، فمن بقي منهم إذا كثير منهم قد ارتد.

‌ج.  الرواية تقول بأن أبا بكر سمي بالصديق في ذلك الوقت، أي بدايات البعثة، بينما لم نجد رواية يخاطب فيها أبا بكر بالصديق.

‌د.     تفسير الحسن للآية المباركة أنها نزلت في المرتدين، وهو تعمد في صرفها عن بني أمية حيث وردت روايات كثيرة تفسر الشجرة الملعونة ببني أمية.(24)

‌ه.  لقد اثبت السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»): أن الإسراء والمعراج قد كان قبل إسلام أبي بكر وبالتالي لا يمكن قبول أنه قد سمي صديقاً حينما صدق رسول الله «صلى الله عليه وآله» في قضية الإسراء والمعراج.(25)

3.   في تاريخ مدينة دمشق لأبن عساكر:

((عن الشعبي أنه قال: خص الله تبارك وتعالى أبا بكر الصديق بأربع خصال لم يخصصن بها أحداً من الناس سماه الصديق ولم يسم أحداً الصديق غيره ...)).(26).

وهذا الحديث أيضاً مردود:

‌أ.       إذ هو حديث الشعبي وليس حديث النبي «صلى الله عليه وآله».

‌ب.الشعبي معروف بالنصب ونقل عنه: «أحب صالح المؤمنين وصالح بني هاشم ولا تكن شيعياً).(27)

4.   ابن الجوزي في الموضوعات:

وما يؤيد أن نسبة هذا اللقب لأبي بكر من الموضوعات ما ذكره ابن الجوزي:

((عن ابن عباس قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: «ما في الجنة شجرة إلا مكتوب على ورقه محمد رسول الله أبو بكر الصديق عمر الفاروق عثمان ذو النورين»).

–      قال أبو حاتم بن حبان: هذا باطل موضوع، وعلي بن جميل الذي في سند الرواية كان يضع الحديث لا تحل الرواية عنه بحال.

–      وقال أبو أحمد بن عدي: لم يأت بهذا الحديث عن جرير غير علي، وعلي يحدث بالبواطيل عن ثقاة الناس فيسرق السرق، وقد سرق هذا الحديث منه رجل يقال له معروف بن أبي معروف البلخي وقد سرقه آخر)).(28)

5.   كشف الغمة، للإربلي:

وهو كتاب لأحد علماء الشيعة حيث ورد فيه:

((عن محمد بن علي بن الحسين الباقر «عليه السلام»، عن عروة بن عبد الله، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي «عليه السلام»، عن حلية السيف؟ فقال: لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قال: قلت: وتقول الصديق؟ فوثب وثبة، واستقبل القبلة، فقال: نعم الصديق، فمن لم يقل الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة)).(29)

ويرد على هذه الرواية من وجوه:

‌أ.       هذه الرواية التي ذكرها الإربلي (ت693هـ) في كشف الغمة، نقلها من (صفة الصفوة)(30) لابن الجوزي (ت597هـ)، مصرّحاً بذلك، وقد نقلها عن كتاب ابن الجوزي أيضاً ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمّة).(31)

‌ب.لا يوجد سند من كتب الشيعة متصل بين عروة والأربلي، فإن بينهما مئات السنين، بل إن بين ابن الجوزي وعروة مئات السنين أيضاً.

‌ج.  هذه الرواية وفق مقاييس علم الرجال مرسلة.

‌د.     إضافة إلى أن عروة بن عبد الله المذكور بالرواية مهمل رجالياً.

‌ه.  إضافة الى كون ابن الجوزي، الناقل للرواية، كان ناصبياً، رد في كتبه كثير من فضائل أمير المؤمنين «عليه السلام»، فلا يصح الاحتجاج بهذه الرواية.

‌و.    لو سلمنا بصحة الرواية، فلا تقف هذه الرواية في قبال العشرات من الروايات المعارضة لها! فلا بد إذاً من أجل الجمع بين الروايات من حمل هذه الرواية على التقية.

‌ز.     أن مثل هذا الكلام لا يمكن أن يصدر من الإمام «عليه السلام» لأن ذنب عدم قول الصديق لا يستحق مثل هكذا عقوبة، وهي عدم قبول قوله في الدنيا والآخرة، وإلا لدخل أبو بكر نفسه في ذلك، فهو يقول: (إن لي شيطاناً يعتريني)(32)، كما أن هناك كثير من أهل السنة عندما يذكر أبا بكر لا يذكر لقب الصديق، فهل يستحق هؤلاء جميعاً تلك العقوبة الإلهية.

6.   نلاحظ أنه في بعض المعاهدات التي شهد عليها أبو بكر، قد كتب فيها «أبو بكر الصديق» حسب بعض المصادر.

ويرد عليها أنها غير موجودة في مصادر أخرى، الأمر الذي يشير إلى تلاعب متعمد مِن قبل مَن يهمهم إثبات هذا اللقب له، في زمن الرسول «صلى الله عليه وآله».

7.   أفلاس:

وبسبب إفلاس القوم ذهبوا الى تفسير آيات حسب أهوائهم، فقد فسروا قوله تعالى: ((والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون)).(33)

حيث فسروا «والذي جاء بالصدق» هو رسول الله «صلى الله عليه وآله» وفسروا «وصدق به» هو أبو بكر، ولم يكتفوا بذلك حتى نسبوا هذه الرواية إلى الإمام علي «عليه السلام»، وهذا مذكور في كثير من تفاسيرهم، ولم يذكر أي واحد منهم سنداً لهذه الرواية.

بينما ذكر جماعة أن الآية نزلت في الإمام علي «عليه السلام»، منهم الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل عن مجاهد بثلاثة طرق وعن ابن عباس بطريقين وعن علي «عليه السلام»، أن الذي «صدق به» هو الإمام علي «عليه السلام».(34)

ثم إن ما تقدم من قول أمير المؤمنين «عليه السلام»: «أنا الصديق الأكبر، وأنا الفاروق الأول، أسلمت قبل إسلام أبى بكر»، فيه رد واضح على من حاول سرقة هذا اللقب ووضعه في غير ما وضعه الله فيه.

8.   وبعد هذا فالعجب:

مما ذكره الزركشي في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» قال:

(قد احتج بها الصديق على الأنصار يوم السقيفة فقال: نحن الصادقون، وقد أمركم الله أن تكونوا معنا» أي تبعاً لنا، وإنما استحقها دونهم لأنه الصديق الأكبر).(35)

    أقرأ وأبكي أو أقرأ وأضحك فشر البلية ما يضحك.

وأخيراً نقول:

انه بالإضافة الى النصوص الكثيرة الواردة عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» والتي تؤكد أنه وصف الإمام علي «عليه السلام» بــ«الصديق الأكبر»، فإن الإمام علي «عليه السلام» قد كذب صحة نسبة هذا اللقب إلى أبي بكر، وقد أعلن ذلك على منبر البصرة، حيث قال فيما روي عنه:

-      قال: «أنا الصديق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم».(36)

-      وقال: «أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي الا كاذب مفتر».(37)

فهل بعد قول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» وقول الصديق الأكبر الإمام علي «عليه السلام» قول أو لشهادة غيرهما من أثر من وأعتبار، وشتان بين من يصفه رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم» أنه الصديق الأكبر وبين من يصفه الناس بذلك. 

الشواهد الشعرية:

لقد نظم الشعراء في شعرهم فضيلة لقب الإمام علي «عليه السلام» بالصديق، مما يدل على شيوع هذه الفضيلة بين المسلمين وأشتهارها واختصاص الامام علي «عليه السلام» بها شأنها شأن الكثير من ألقاب ومناقب وفضائل الإمام علي «عليه السلام»، والنماذج الشعرية في ذلك كثيرة لا يسع المجال لذكر الكثير منها، ولكننا نذكر ما يفي بالغرض، منها:

1.   ابن حماد العبدي:

أبـــــوكم هـــــو الصــــــديق آمن واتقى .... وأعطى وما أكدى وصدق بالحســنى

وسمـــــاه فـــي القرآن ذو العرش جنبه ... وعـــــروته والعـــــين والـــــوجه والأذنا

2.   وقال أيضاً ابن حماد العبدي:

ودعـــــاه أمـلاك السماء بأمر من ... أوحـــــى إليهـــــم حــــيدر الفاروقا

وأجـــــاب أحـــــمد سابقـاً ومصدقــــاً .... مـــــا جــاء فيـــه فسمي الصديقا

فـــــإذا ادعــى هذه الأسامي غيره ... فـــــليأتنا فـــــي شاهــــــــد توثـــــيقـا

3.   العبدي الكوفي:

وهـــم الصـــراط فمستقـــيـــم ... فـــوقـــه نـــاج ونـــــاكـــــــــب

صـــديقـــة خـــلقـــت لصديـق ... شـــريـــف فـي المناسب

4.   ابو محمد المنصور بالله:

وزوجـــة ســـيـــدة النـــســـــــاء ... خامسة الخمسة في الكساء

أنكحها الصديـق في السماء ... فـــهل لهـــم كهـــذه العـــليـــاء

الله فـــي إنكاحها هــو الولي ... وجــــــبرئيل مستناب عن علي

ونختم هذا المقال:

بذكر مقطع من احدى زيارات الإمام علي «عليه السلام» حيث ورد هذا اللقب في كثير من الزيارات ومنها على سبيل المثال لا الحصر الزيارة التي وردت عند زيارة أمير المؤمنين «عليه السلام» ليلة المبعث وفي يوم المبعث، وهي الزيارة الثالثة من الزيارات الثلاث المخصومة لأمير المؤمنين «عليه السلام» ذكرها الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان، ننقل منها موضع الشاهد:

((... السلام عليك ايها الوصي التقي، السلام عليك ايها الرضي الزكي، السلام عليك ايها البدر المضيء، السلام عليك ايها الصديق الاكبر، السلام عليك ايها الفاروق الاعظم، السلام عليك ايها السراج المنير، ...))

رزقنا الله في الدنيا زيارة أمير المؤمنين وفي الآخرة شفاعته، ... والحمد لله رب العالمين

الهوامش:

(1). تنقيح المقال ج1 ص403، سيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسني ج1ص145 ، الإمامة في ضوء الكتاب والسنة لمهدي السماوي ص229 ، وفي الكنى والألقاب للقمي ج2 ص349 نسبه للشافعي ، وفي المناقب للخوارزمي ص8 عن بعض الفضلاء ولم يسميه.

(2). فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي للمغربي ص20، الصواعق المحرقة لأبن حجر ص118، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج2 ص282.

(3). لسان العرب لأبن منظور: مادة صدق.

(4). سورة مريم: الآية/ 41.

(5). سورة مريم: الآية/ 56.

(6).  سورة المائدة: الآية/ 75.

(7).  سورة النساء: الآية/ 69.

(8). المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني: مادة صدق.

(9). المحيط في اللغة للصاحب بن عباد ج1 ص441.

(10). مقاييس اللغة لأبن فارس: مادة صدق.

(11). النهاية في غريب الحديث والأثر لأبن الأثير: مادة صدق.

(12). تفسير الخازن ج1 ص397.

(13). تفسير القرطبي ج5 ص272.

(14). تفسير السعدي ص841.

(15). شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني ج8 ص316.

(16). سورة النساء: الآية/ 69.

(17). المعجم الكبير للطبراني ج6 ص269 ، مسند البزار ج9 ص342.

(18). فضائل الصحابة لأبن حنبل ج2 ص627.

(19). البداية والنهاية لأبن كثير ج4 ص66 ، المصنف لأبن أبي شيبه ج6 ص368 ، السنن الكبرى للنسائي كتاب الخصائص ج7 ص409.

(20). بصائر الدرجات ص74، الإمامة والتبصرة ص111.

(21). تاريخ دمشق، ج42 ص33 ،  تهذيب الكمال للمزي ج12 ص18، شرح النهج ج13 ص228، كنز العمال ج13 ص164.

(22). صحيح البخاري ج4 ص197، وسنن أبي داوود ج2 ص402، ومسند أحمد ج3 ص112.

(23). السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص269، تفسير القرطبي ج10 ص285.

(24). في تفسير العياشي ج2 297، عن الصادق «عليه السلام»: (أن علياً «عليه السلام» قال لعمر: يا أبا حفص ألا أخبرك بما نزل في بني أمية؟ قال: بلى، قال: فإنه نزل فيهم «والشجرة الملعونة في القرآن» قال: فغضب عمر وقال: كذبت، بنو أمية خير منك، وأوصل للرحم).

(25). الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، السيد جعفر مرتضى العاملي الجزء الثالث، الباب الثاني، الفصل الأول.

(26). تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج30 ص266.

(27). الطبقات الكبرى ج6 ص248.

(28). الموضوعات لابن الجوزي ج1 ص336.

(29). كشف الغمة في معرفة الأئمة ص359 .

(30). صفة الصفوة ج2 ص459.

(31). الفصول المهمة في معرفة الأئمة ج2 ص895.

(32). الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص212 ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص22، تاريخ مدينة دمشق ج30 ص303 ، تاريخ الطبري ج2 ص460، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص20.

(33). سورة الزمر / الآية (33).

(34). شواهد التنزيل للحسكاني ج2 ص179، وراجع تاريخ دمشق ج42 ص359، وتفسير القرطبي ج15 ص256، وتفسير الآلوسي ج24 ص3 ، وتفسير البحر المحيط للأندلسي ج7 ص412 ، وفتح القدير للشوكاني ج4 ص463.

(35). البرهان للزركشي ج1 ص156.

(36). سبق تخريجه.

(37). سبق تخريجه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حامد كماش آل حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/11/26



كتابة تعليق لموضوع : مقالات في مناقب المرتضى 10 : لقب «الصديق»
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net