أنبياء الأرض المقدسة (داوود عليه السلام) (ح 6)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في تفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية: وفي كتاب (عيون الأخبار) للشيخ الصدوق: ان سائلا سأل الإمام الرضا عليه السلام عن قصة داود مع أوريا وزوجته ؟ فنفى الإمام ما ينسبه الناس إلى داود. فقال السائل: ما كانت خطيئته يا ابن رسول اللَّه ؟ فأجاب بجواب طويل جاء فيه: عجّل داود على المدعى عليه، فقال: "لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ" (ص 24) ولم يسأل المدعي البينة، ولم يقبل على المدعى عليه، فيقول له: ما تقول، فكان هذا خطيئة رسم الحكم، لا ما ذهب إليه الناس، ألا تسمع اللَّه عز وجل يقول "يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى" (ص 26). وتسأل: كيف حكم داود للمدعي من غير بينة مع ان الأنبياء معصومون عن الخطأ والخطيئة ؟ الجواب: ليس معنى العصمة ان للمعصوم طبيعة غير طبيعة الناس بخصائصها وغرائزها. كلا، ان هو إلا بشر، وانما معنى العصمة ان اللَّه سبحانه يلطف بالمعصوم، ولا يتخلى عنه إطلاقا، فإذا حاول - مثلا - أن يخدعه إنسان بحسن مظهره أرشده اللَّه إلى حقيقته قبل أن يقع في الشباك، وهذا ما حدث بالفعل لداود. خدعه صاحب النعجة الواحدة بأسلوبه الذي يثير الإشفاق والرحمة فحكم له، ولكن اللَّه ألهمه الحقيقة قبل تنفيذ الحكم فاستدرك وأناب. وقريب من هذا ما حدث لرسول اللَّه صلى الله عليه واله مع سارق ادعى براءته، وكاد الرسول الأعظم ينخدع لولا أن ثبته اللَّه بقوله "إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ ولا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً" (النساء 105) أي لا تخاصم عن الخائنين "واسْتَغْفِرِ اللَّهً إِنَّ اللَّهً كانَ غَفُوراً رَحِيماً. ولا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ" (النساء 106) ج 2 ص 429. وقال تعالى مخاطبا نبيه الكريم محمدا صلى الله عليه واله "ولَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا" (الاسراء 74). وفي الحديث الشريف: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ، وأنتم تختصمون إليّ ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له شيئا من حق أخيه فإنما أقضي له قطعة من نار. وهذا الحديث لا ينطبق تماما على ما نحن فيه، ولكن يمكن الاستئناس به. أما توبة الأنبياء واستغفارهم من الذنوب فهي ضرب من العبادة والتواضع للَّه سبحانه. وقد أشرنا إلى ذلك أكثر من مرة.
ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ عليه السلام: (ﺇﺫﺍ ﻗﺎﻡ ﻗﺎﺋﻢ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ، ﺣﻜﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺤﻜﻢ ﺩﺍﻭﺩ، ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﻨﺔ، ﻳﻠﻬﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻓﻴﺤﻜﻢ ﺑﻌﻠﻤﻪ، ﻭﻳﺨﺒﺮ ﻛﻞ ﻗﻮﻡ ﺑﻤﺎ ﺍﺳﺘﺒﻄﻨﻮﻩ). (ﻣﻦ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻤﻬﺪﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻬﺪ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ). ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ: "ﺇﺫﺍ ﻗﺎﻡ ﻗﺎﺋﻢ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﻜﻢ ﺑﺤﻜﻢ ﺩﺍﻭﺩ ﻭﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻻ ﻳﺴﺄﻝ ﺑﻴﻨﺔ" (ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ: 1/397)، ﻭﻓﻲ ﻟﻔﻆ ﺁﺧﺮ: (ﺇﺫﺍ ﻗﺎﻡ ﻗﺎﺋﻢ ﺁﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﺣﻜﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺤﻜﻢ ﺩﺍﻭﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﻨﺔ) (ﺍﻟﻤﻔﻴﺪ: ﺹ 413، ﺍﻟﻄﺒﺮﺳﻲ / ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻮﺭﻯ: ﺹ.433). قال ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: (ﺇﻧّﻤﺎ ﺃﻗﻀﻲ ﺑﻴﻨﻜﻢ ﺑﺎﻟﺒﻴّﻨﺎﺕ ﻭﺍﻻﻳﻤﺎﻥ ﻭﺑﻌﻀﻜﻢ ﺃﻟﺤﻦ ﺑﺤﺠّﺘﻪ ﻣﻦ ﺑﻌﺾ، ﻭﺃﻳّﻤﺎ ﺭﺟﻞ ﻗﻄﻌﺖ ﻟﻪ ﻗﻄﻌﺔ ﻓﺈﻧّﻤﺎ ﺃﻗﻄﻊ ﻟﻪ ﻗﻄﻌﺔ ﻣﻦ ﻧﺎﺭ).
جاء عن مركز الاشعاع الاسلامي حول تنزيه داود عن المعصية للسيد مرتضى علم الهدى: فأما قوله: "إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ" (ص 23) إلى آخر الآية. فإنما هو أيضا على جهة التقدير والتمثيل اللذين قدمناهما، وحذف من الكلام ما يقتضي فيه التقدير. ومعنى قوله: "وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ" (ص 23) أي صار أعز مني. وقيل إنه أراد قهرني وغلبني. وأما قوله لقد ظلمك من غير مسألة الخصم، فإن المراد به إن كان الأمر كذلك. ومعنى ظلمك انتقصك، كما قال الله تعالى: "آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا" (الكهف 33). ومعنى ظن قيل فيه وجهان: أحدهما: أنه أراد الظن المعروف الذي هو بخلاف اليقين. والوجه الآخر: أنه أراد العلم واليقين، لأن الظن قد يرد بمعنى العلم قال الله تعالى: "وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا" (الكهف 53) وليس يجوز إن يكون أهل الآخرة ظانين لدخول النار بل عالمين قاطعين. وقال الشاعر: فقلت لهم ظنوا بإلقاء مذحج* سراتهم في الفارسي المسرد أي أيقنوا. والفتنة في قوله: "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ" (ص 24) هي الاختبار والامتحان لا وجه لها إلا ذلك في هذا الموضع. كما قال تعالى: "وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا" (طه 40). فأما الاستغفار والسجود فلم يكونا لذنب كان في الحال، ولا فيما سلف على ما ظنه بعض من تكلم في هذا الباب، بل على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخضوع له والتذلل والعبادة والسجود. وقد يفعله الناس كثيرا عند النعم التي تتجدد عليهم وتنزل وتؤول وترد إليهم شكرا لمواليها. فكذلك قد يسبحون ويستغفرون الله تعالى تعظيما وشكرا وعبادة. وأما قوله تعالى: "وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ" (ص 24) فالإنابة هي الرجوع. ولما كان داود عليه السلام بما فعله راجعا إلى الله تعالى ومنقطعا إليه، قيل فيه إنه أناب، كما يقال في التائب الراجع إلى التوبة والندم إنه منيب. فأما قوله تعالى: "فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ" (ص 25) فمعناه إنا قبلنا منه وكتبنا له الثواب عليه فأخرج الجزاء على وجه المجازات به، كما قال تعالى: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ" (النساء 142) وقال عز وجل: "اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ" (البقرة 15) فأخرج الجزاء على لفظ المجازي عليه. قال الشاعر: ألا لا يجهلن أحد علينا * فنجهل فوق جهل الجاهلينا. ولما كان المقصود في الاستغفار والتوبة إنما هو القبول، قيل في جوابه فغفرنا لك أي فعلنا المقصود به. كذلك لما كان الاستغفار على طريق الخضوع والعبادة المقصود به القربة والثواب، قيل في جوابه غفرنا مكان قبلنا.
عن موقع مركز سيد الشهداء عليه السلام للبحوث الاسلامية: رد شبهات على النبي داوود عليه السلام: قد وردت جملة من الاحاديث عن الائمة الاطهار عليهم السلام، في تكذيب وبشدة تلك القصص الخرافية والقبيحة الواردة في التوراة، ونذكر منها ماورد في قصة النبي داود عليه السلام: روي عن الامام امير المؤمنين عليه السلام يقول فيما روي عن قصة داود عليه السلام والمرأة الجميلة، او قصة زواجه مع زوجة (اوريا)، وغير ذلك. قال عليه السلام فيه: (لو اوتي برجل يزعم ان داود تزوج امرأة اوريا الا جلدته حدين، حدا للنبوة وحدا للاسلام). وقد ذكرت قصة داود عليه السلام والطائر في مجلس المأمون وبحضور الامام الرضا عليه السلام، وعندما سمع الامام عليه السلام الكلام، ضرب على جبهته وقال: (انا لله وانا اليه راجعون، لقد نسبتم نبيا من انبياء الله الى التهاون بصلاته حتى خرج في اثر الطير، ثم بالفاحشة، ثم بالقتل). فسئل الامام الرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله، ما كانت خطيئة النبي داود عليه السلام ؟ فقال: (ويحك ان داود عليه السلام انما ظن انه ما خلق الله خلقا هو اعلم منه، فبعث الله عزوجل اليه الملكين فتسورا المحراب،وتخاصما عندهفعجل داود على المدعى عليه فقال: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه) ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقل للمدعي عليه: ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم، لا ماذهبتم اليه، الا تسمع الله عزوجل يقول: "يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق" (ص 26)). فقال: يابن رسول الله فما قصته مع اوريال ؟ قال الرضا عليه السلام: (ان المرأة في ايام داود كانت اذا مات بعلها او قتل لا تتزوج بعده ابدا، فأول من اباح الله عزوجل له ان يتزوج بامرأة قتل بعلها داود عليه السلام، فتزوج بامرأة اوريا لما قتل وانقضت عدتها، فذلك الذي شق على الناس من قتل اوريا). يستفاد من هذا الحديث، ان داود عليه السلام نفذ ما جاء في الرسالة الالهية، الا ان اعداء الله والجهلة، حرفوا الكلام عن مواضعه. فهل يمكن ان ينتخب البارئ عزوجل شخصا ينظر الى شرف المؤمنين والمقربين منه بعين خؤونة، ويلوث يده بدم الابرياء، خليفة له في الارض، ويمنحه حكم القضاء المطلق ؟ هذا وقد استخدمت التوراة عبارات يجل القلم عن ذكرها، لهذا نصرف النظر عنها. وروي ان داود عليه السلام لما تزوج بامرأة اوريا بعد وفاة زوجها، ولدت له سليمان عليه السلام واصبح نبيا بعد ابيه. هذا ايضا دليل آخر على صحة زواج داود عليه السلام من امرأة اوريا، وكما امره الله تعالى بذلك، لان الانبياء يولدون من ارحام طاهرة مطهرة، وكلهم معصومون ومنزهون عن السهو والخطا.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat