ذِكرى استشهاد شَيخ عُلماء بَغداد، ونقيب أشرافها
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تَحلُّ عَلَينا في مِثل هذا اليوم: الاول من تموز لسنة(٢٠٠٥م) والموافق للرَّابع والعِشرين مِن جُمادى الأولى لعام (١٤٢٦) من الهِجرة، ذِكرى استشهاد شَيخ عُلماء بَغداد، ونقيب أشرافها، سَماحة حُجَّة الإسلام والمُسلمين، العلَّامة المُجاهد السَّيد كمال الدين المُقدَّس الغُرَيفيّ (قُدِّس سرُّه) على أيدي بَعض العِصابات التّكفيريّة الإجرامية والبعثية الصَّدَّامية، وذلك حِين خُرُوجه لأداء صلاة الجمعة في مَسجده المعروف بجامع وحُسينيَّة الدُّوريين في كرخ بَغداد، وهُو المَسجد الذي أسّسه والدُهُ الحُجَّة السيّد جواد الغُرَيفيّ (قُدِّس سرُّه) في أربعينيات القرن المُنصرم، وبمُشاركة مَجموعةٍ مِن المؤمنين (رَحِمهُمُ الله)، وبرعاية مَرجِع الطَّائفة آنذاك السيِّد أبو الحَسَن الأصفهاني (قُدِّس سرُّه).
وقَد كان الشَّهيدُ المُقدَّس (قُدِّس سرُّه) مَحلَّ ثقة النَّاس عُموماً واطمئنانهم عَلى اختلاف انتماءاتهم وتوجُّهاتهم ومَذاهبهم؛ لِمَا ألِفوا مِنه السِّيرةَ الصَّالحةَ والنيَّة الخَالصة لله تَعالى، وسُمُوَّ النَّفس والخُلُق العالي والتَّواضع الجمّ، وكان لِرأيه وإرشاده الأثرُ العميقُ في نُفُوسهم، فَضلاً عن ثِقة المرجعيَّات الدّينية في النَّجف الأشرف به (قُدِّس سرُّه) مُدَّة حياته المُباركة.
وكانت للسيّد الشَّهيد المُقدَّس (قُدِّس سرُّه) مواقفٌ جليلةٌ ودورٌ مؤثِّر في تَوجيه الشّباب المُؤمن، وتَوعِية أبناء الشِّيعة وبِناءهم بناءً معرفيّاً وفكريّاً في حقبة حُكم الطَّاغية المَقبُور، وتَنويرهم في التمسُّك بمَعالم وعُلوم أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلام) والمُحافظة على مَدرستهم المَعرفيّة النقيّة.
وكان لهُ (قُدِّس سرُّه) الدَّورُ المُميَّزُ والجريءُ في إعادة المنبر الحسينيِّ يصدَحُ في العاصمة بَغداد بعد القضاء على الانتفاضة الشَّعبانيَّة في عام (١٩٩١م) من الطَّاغية المُجرم وزبانيته وأعوانه، وأصبَحَ المؤمنونَ في خِيفة ووَجَل من رُدود فِعل الطَّاغية وزبانيته، فأعاد (قُدِّس سرُّه) إحياء المنبر وأقامَ المَجالسَ الحُسينيَّة في دَارِهِ ومن ثَمَّ في مَسجده المعرُوف، حتَّى ألِف الناسُ ذلك وأخَذَ بالانتشار والتَّوسُّع، هذا مَعَ مَا لاقاهُ (قُدِّس سرُّه) وتحمَّلَهُ من مُلاحقة رِجالِ الأمن والبعثيِّين وعَنَتِهِم ومُضايقتهم لهُ بسبب ذلك.
كمَا كان لهُ (قُدِّس سرُّه) الدَّورُ الفاعل والمُتميِّز بعد سُقوط الطَّاغية في بناء الُّلحمة الوطنية بين أبناء المجتمع الواحد، والمَنع مِن بثّ الفرقة والخلاف والبَغضاء بينهم على تعدُّد مذاهبهم وأديانهم وقوميّاتهم، وقد كان (قُدِّس سرُّه) يؤكِّدُ على أنَّهم إِخوةٌ في الوطن جميعاً.
وقد زَهد (قُدِّس سرُّه) بالكثير مِمَّا عُرِضَ عَليه مِن مناصب تشريفيَّة، كرئاسة مجلس أعيان العراق، وجُملةٍ من الامتيازات الماديَّة والعينيَّة ونَحوِها، وكان يَقُول (قُدِّس سرُّه): (لنَا الكِفايةُ في خِدمةِ المُؤمِنين).
كذلك فقد حافَظَ (قُدِّس سرُّه) عَلى كثيرٍ مِن مرافق الدّولة العراقية ومُؤسَّساتها، وحماها من النَّهب والسَّرقة والتَّعدِّي، وتصدَّى لذلك بكُلِّ قُوَّةٍ وحَزمٍ، فَحافظ على مُستشفى الكرامة التَّعليميّ من السَّرقة، وأعاد كثيراً مِن أَجهزة مُستشفى ابن البيطار لأَمراض القَلب، وأيضاً حَافظ على دارِ المَخطوطات العراقيّ في شارع حَيفا من السَّرقة والنَّهب بَعدما استنجد به مُديرُها آنذاك أُسامة النّقشبنديّ.
وقد أعاد (قُدِّس سرُّه) المئات مِن الآثار العراقيَّة المَسرُوقة مِن المتحف العراقيّ -وقد جرى توثيقُ ذلك من إدارة المتحف-، وتمّ ذلك بمُناشدته للنَّاس وطلبِه مِنهم، فاستجاب له الكثيرون وأعادوا مَا تمّ نَهبُه وسلبُه.
كذلك أعادَ (قُدِّس سرُّه) الكثيرَ مِمَّا تمَّت سرقتُهُ من فندق المنصور ميليا وغيره من الدَّوائر الرَّسميَّة والخدميَّة ضِمن مُحيط رُقعته الجغرافيَّة، ويَشهدُ بذلك القاصي والدَّاني، وقد تَمَّ توثيقُ هذه المواقف المُشرِّفة والجَّليلة في الصُّحُف العالميَّة والفضائيَّات، وفي المَقالات والكتابات التي أرَّخت لسنوات تلك المَرحلة على اختلاف توجُّهاتها وانتماءاتها.
مُضافاً إلى ما تقدَّم، فقد كانت له (قُدِّس سرُّه) المواقفُ الجليلةُ في خِدمة الفُقراء والمُحتاجين والمَرضى وإعانتهم، بقضاء حوائجهم وتَيسير أُمورهم، ورِعايتهم، والقيام بشُؤونهم.
ذلك، مُضافاً إلى مَشرُوعِه (قُدِّس سرُّه) الأسَاس، وغايته الأكيدة في التَّوعية المعرفيَّة والدِّينية والأخلاقيَّة لأبناء المُجتمع كافَّة، هادفاً (قُدِّس سرُّه) مِن ذلك إنتاج الأجيال الصَّالحة النَّافعة.
ولِهذه المَواقف النَّبيلة، والأفعال الوطنيَّة الجَّليلة، أطلَقَت مُحافظة بغداد اسم الشَّهيد المُقدَّس (السَّيد كمال الدِّين المُقدَّس الغُرَيفيّ) على إحدى سَاحاتها العامَّة في بَغداد، والوَاقِعة قُربَ المتحف العراقيّ فِي كرخ بغداد؛ تكريماً لهُ، وتخليداً لمَواقفه وأفعالِه الوطنيَّة والإنسانية، ولجُهُودِهِ الكبيرة فِي رِعاية الوِحدة الوطنيَّة بَين أبناءِ الشَّعب العِراقيِّ الكريم جميعاً وإدامَةِ الأُلفَة والمَحبَّة والمُساواة بَينهم.
هذا، وما يزالُ اسمُهُ (قُدِّس سرُّه) عَلَماً مُنيراً يُرَفرِفُ في السَّاحة العراقيَّة، وباقيةٌ جُهودُهُ المُباركة مَشهودٌ لها بَين الجميع، ولا يتنكَّرُ لها إلَّا أصحابُ الغّدرِ ومَن فارقهم الوفاءُ لمَسيرة هذا العَلَم المُجاهدِ الجَّليل، والشَّهيد الطَّاهر المُقدَّس.
فرَحِمَ الله السيَّد الشَّهيد المُقدَّس (قُدِّس سرُّه) يوم وُلدَ، ويوم استُشهدَ، ويوم يُبعَثُ حيَّاً.
وإنَّا لله وإنّا إلَيه رَاجعون، ولا حَولَ ولا قُوّة إلَّا بالله العليّ العظيم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat