الفرق بين أكملت و أتممت ومشتقاتهما في القرآن الكريم (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن كلمة أتممت ومشتقاتها "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ" ﴿البقرة 196﴾ وَأَتِمُّوا: وَ حرف عطف، أَتِمّ فعل، وا ضمير، وأتموا الحج والعمرة لله: أدُّوهما بحقوقهما، وأدُّوا الحج والعمرة تامَّيْنِ، خالصين لوجه الله تعالى، و "حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ" ﴿البقرة 233﴾ يتم فعل، لمن أراد أن يتم الرضاعة: ولا زيادة عليه، وعلى الوالدات إرضاع أولادهن مدة سنتين كاملتين لمن أراد إتمام الرضاعة، ويجب على الآباء أن يكفُلوا للمرضعات المطلقات طعامهن وكسوتهن، على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا، و "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ" ﴿المائدة 3﴾ وَأَتْمَمْتُ: وَ حرف عطف، أَتْمَمْ فعل، تُ ضمير، وأتممت عليكم نعمتي: بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين، اليوم أكملت لكم دينكم دين الإسلام بتحقيق النصر وإتمام الشريعة، وأتممت عليكم نعمتي بإخراجكم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان، ورضيت لكم الإسلام دينًا فالزموه، ولا تفارقوه، و "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" ﴿الأنعام 115﴾ وَتَمَّتْ: وَ حرف استئنافية، تَمَّتْ فعل، وتمت كَلِمَاتُ ربَك: بالأحكام والمواعيد، وتمت كلمة ربك وهي القرآن صدقًا في الأخبار والأقوال، وعدلا في الأحكام، فلا يستطيع أحد أن يبدِّل كلماته الكاملة.
قوله تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" (المائدة 3) اكتمال الدين بتنصيب الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب اماما للمسلمين وخليفتهم في يوم الثامن عشر من ذي الحجة في موقع غدير خم من قبل الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم وهو اخر تنزيل قراني عن العبادات فهي مثل الصلاة والصوم فصلها رسول الله في خطبه العديدة فكما الانبياء اوصوا لما بعدهم وحتى الله تعالى وضع ادم عليه السلام خليفة في الارض ولم يترك العباد بدون خلافة فابليس عصا وهكذا الذي يعصي امر الخلافة الربانية لما بعد الانبياء هو عدو الله. عن الامام محمد الباقر عليه السلام فنادي منادي رسول الله صلى الله عليه وآله في الناس: ألا إن رسول الله يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل الذي علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على ما أوقفكم عليه من غيره، فخرج صلى الله عليه وآله وخرج معه الناس واصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول الله من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألف الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا العجل والسامري، وكذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة لعلي بالخلافة على عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل، واتصلت التلبية ما بين مكة والمدينة فلما وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه السلام عن الله عز وجل فقال: يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: إنه قد دنى أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بد منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وقدم وصيتك واعمد إلى ما عندك من العلم وميراث علوم الأنبياء من قبلك والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلمه إلى وصيك وخليفتك من بعدك حجتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب عليه السلام، فأقمه للناس علما وجدد عهده وميثاقه وبيعته، وذكرهم ما أخذت عليهم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم وعهدي الذي عهدت إليهم من ولاية وليي ومولاهم ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب عليه السلام، فإني لم أقبض نبيا من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني وحجتي وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي وديني وإتمام نعمتي على خلقي باتباع وليي وطاعته، وذلك أني لا أترك أرضي بغير ولي ولا قيم ليكون حجة لي على خلقي، ف "اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" (المائدة 3) بولاية وليي ومولى كل مؤمن ومؤمنة علي عبدي ووصي نبي والخليفة من بعده وحجتي البالغة على خلقي، مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي، من أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني، جعلته علما بيني وبين خلقي، من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن أشرك بيعته كان مشركا ومن لقيني بولايته دخل الجنة، ومن لقيني بعداوته دخل النار ، فأقم يا محمد عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فإني قابضك إلي ومستقدمك علي.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (الانعام 115) (الكلمة) بمعنى القول، و تطلق على كل جملة و كل كلام مطولا كان أم موجزا، و قد تطلق على الوعد، كما في الآية: "وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا" (الاعراف 137)، لأنّ الشخص عند ما يعد يتلفظ ببعض الكلمات المتضمنة لمفهوم الوعد. و قد يأتي بمعنى الدين و الحكم و الأمر للسبب نفسه. أمّا بالنسبة لاستعمالها في هذه الآية فقيل إنّها تعني القرآن، و قيل إنّها دين اللّه، و قيل: وعد النصر الذي وعد اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و ليس بين هذه تعارض، فقد تكون الآية أرادت هذه المعاني جميعا، و لأنّ الآيات السابقة كانت تشير إلى القرآن، فتفسير الكلمة بالقرآن أقرب. فيكون معنى الآية إذن: إنّ القرآن ليس موضع شك بأيّ شكل من الأشكال، فهو كامل من جميع الجهات و لا عيب فيه، و كل أخباره و ما فيه من تواريخ صدق، و كل أحكامه و قوانينه عدل. و ربّما يكون معنى "كلمة" هنا هو الوعد الذي جاء في العبارة التّالية لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ إذ يتكرر هذا التعبير في القرآن الكريم كقوله تعالى: "وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ" (هود 119) و قوله سبحانه "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ" (الصافات 171-172)، في أمثال هذه الآيات تكون الآية التّالية بيانا للوعد الذي ورد من قبل تحت لفظة "كلمة". و على ذلك يكون معنى الآية: لقد تحقق وعدنا بالصدق و بالعدل، و هو أنّه ليس لأحد القدرة على تبديل أحكام اللّه. و قد تتضمن الآية كل هذه المعاني. و إذا كانت الآية تعني القرآن، فذلك لا يتعارض مع كون القرآن لم يكن قد اكتمل نزوله حينذاك، إذ المقصود هو أن ما نزل منه كان متكاملا و لا عيب فيه. و يستند بعض المفسّرين إلى هذه الآية لاثبات عدم تحريف القرآن، لأنّ تعبير لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ تعني أنّ أحدا لا يستطيع أن يحدث في القرآن تبديلا أو تغييرا، لا في لفظه، و لا في إخباره، و لا في أحكامه، و أنّ هذا الكتاب السماوي الذي يجب أن يبقى حتى نهاية العالم هاديا للناس سيبقى محفوظا و مصونا من أغراض الخائنين و المحرفين. قوله تعالى "وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ" (البقرة 233)، و المراد فترة الرضاعة الكاملة، و إن كانت تتمّ أحيانا بفترة أقلّ. "والدات" جمع والدة و هي في اللّغة بمعنى الام، و لكنّ كلمة الام لها معنى أوسع و هي قد تطلق على الوالدة و على الجدّة أي والدة الوالدة، و قد تعني أصل الشيء و أساسه. و في هذا المقطع من الآية نلاحظ أنّ حقّ الإرضاع خلال سنتي الرضاعة يعود للام، فهي التي لها أن ترضع مولودها خلال هذه المدّة و أن تعتني به، و على الرغم من أنّ الولاية على الأطفال الصغار قد أعطيت للأب، و لكن لمّا كانت تغذية الوليد الجسمية و الروحية خلال هذه المدّة ترتبط ارتباطا لا ينفصم بلبن الأم و عواطفها، فقد أعطيت حقّ الاحتفاظ به، كما تجب مراعاة عواطف الأمومة، لأنّ الأم لا تستطيع في هذه اللحظات الحسّاسة أن ترى حضنها خاليا من وليدها و أن لا تبالي به، و عليه فإنّ تخصيصها بحقّ الحضانة و الرعاية و الرضاعة يعتبر حقا ذا جانبين، فهو يرعى حال الطفل كما يرعى حال الأم، و التعبير ب "أولادهن" إشارة لطيفة إلى هذا المعنى. و بالرغم من أن الجملة مطلقة ظاهرا و تشمل النساء المطلقات و غير المطلقات، و لكن الجملة اللاحقة توضح أن الآية تقصد النساء المطلقات مع وجود هذا الحقّ لسائر الأمهات، و لكن في صورة عدم وجود الطلاق فلا أثر عملي لهذا الحكم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat