خطر الغلو في الشخصيات القيادية وآثاره الوخيمة؛ بقلم السيد محمد باقر السيستاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 المتتبّع لتاريخ الأديان في المجتمع البشري، ومضامينها، يجد أنَّ معظم الأديان تضمّنَت الغلو في الشخصيات القيادية فيها، عن المستوى الحقيقي لهم، سواءٌ كان تشخيص هذا المستوى الحقيقي طِبْقاً للبديهيّات العقليّة، التي تمّ الإغماض عنها، أو وَفْقاً لأصل ذلك الدِّين.

ينبغي بكلِّ مكَلَّفٍ أن يتأمّلَ في ما يَصحُّ مِن أمر العقيدةِ على ضوء كتاب الله سبحانه وثوابت سنَّة نبيّه الأكرم (صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم) والآثار المأثورة عن أهل البيت(عليهم السلام).

معظم الأديان تضمّنَت الغلو في الشخصيات القيادية
نؤكّد – أنَّ الذي يتتبّع تاريخ الأديان في المجتمع البشري، ومضامينها، يجد أنَّ معظم الأديان تضمّنَت الغلو في الشخصيات القيادية فيها، عن المستوى الحقيقي لهم، سواءٌ كان تشخيص هذا المستوى الحقيقي طِبْقاً للبديهيّات العقليّة، التي تمّ الإغماض عنها، أو وَفْقاً لأصل ذلك الدِّين.

فالبديهيّات العقليّة تقتضي أنَّ قادة الأديان هم بشر، ونوعٌ واحدٌ، لهم إمكانات وطاقات محدودة.

نعم يمكن مِن البشر مَن يرتقي في مَراقي الكمال إلى درجات عالية، ويمكن أن ينزل إلى أدنى الدرجات.

لذلك نرى الفرقَ الكبيرَ بين العلماء الصالحين المهَذِّبين لأنفسهم، وبين كبار المجرمين.

ولكن كبار هؤلاءِ المجرمين مقارنةً مع العلماء الصالحين مثلاً، لم يكونوا منذ طفولتهم أشقياءَ، وإنّما اختُبروا في الحياة، فاختاروا مواقفَ مختلفة، وانساقوا واتّجه كلٌّ إلى سبيله، الذي انتهى إليه.

آفة الغلوّ من أكبر المفاسد في الأديان
إنَّ ادّعاء الألوهية لبعض الحكماء أو العلماء، كما في أتباع بوذا في شرق أسيا، هو أمر طارئ مخالف للبداهة العقليّة، وكذلك في الأديان الإلهيّة السماويّة فقد وقع الغلوّ فيها.

فالأغراض السيّئة والمصالح والمنافسة مع الأديان الأخرى تدفع إلى المغالاة في القادة، وهذا الغلوّ غير مختصٍّ بالقادة الأوّلين، فهو موجود في القادة اللاحقين.

وفي جملة من الأديان والمذاهب المعاصرة يوجد غلوّ قبيح للغاية في قادتها.

مِن أكبر المفاسد في الأديان هي آفة الغلوّ، لأنّها تمحق الدّّين، والأصل في الأديان هو الالتفات إلى ألوهية الله تعالى ووحدانيّته وممّيّزاته عن الكائنات الأخرى وموقعه، وصفات جماله وجلاله وهيبة مقامه إلهيّاً، والاحتفاظ للبشر وغيرهم بمكانتهم وانتماءاتهم النوعيّة.

النزعات الفاسدة والغلو في الشخصيات القيادية
النزعات الفاسدة دائماً هي مَن تسوق جماعةً من أهل الأديان إلى الغلو في الشخصيات القيادية، ورفعهم على الصالحين من الأوّلين والآخرين.

كثيراً ما تقع آفة الغلوّ حتى في التعاطي مع العلماء – فمثلاً العَالِمُ يقول بالرأي عن اجتهاده، ومقَلِّدَه يَستَقِين به اليقين التّامِ.

فكيف يكون المقَلِّد أوضح مِن المجتهد في ذلك؟ ممّا ينبغي بالإنسان المؤمن أن يحذرَ مِن الغلوّ في هذا الشأن.

فهم الدين ورعاية الحكمة فيه
إنَّ مِن أهمِّ مقاصد القرآن الكريم هو التعريف بالله تعالى، وبالعباد الصالحين، وتنزيل كلٍّ بمنزلته، وتحديد حدود البشر والأنبياء من خلال أسلوب الخطاب معهم، وذكر أحوالهم وعبوديّتهم لله.

وكذلك من خلال ذكر حاجتهم إلى تسديد الله سبحانه، وذكر ممارساتهم الاعتياديّة كالزواج والطعام، وما شابه، ولكن مع ذلك يقع الغلوّ فيهم جهلاً وعمدا.

ويجب أن يكون فَهمنا للدِّين، وخطابنا مع رعايةِ الحكمةِ فيه أيضاً، ملائماً وحكيماً، يحافظ على العقائد الصحيحة، ولا يشَكِّك النّاسَ فيها.

سماحة السيّد الأستاذ محَمَّد باقر السيستاني (دامت بركاته)
الأربعاء -4 – ذي القعدة الحرام – 1444هجرية.

تدوين : مرتضى علي الحلّي  – النجف الأشرف


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/01



كتابة تعليق لموضوع : خطر الغلو في الشخصيات القيادية وآثاره الوخيمة؛ بقلم السيد محمد باقر السيستاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net