كشعب عاش في ظل نظام بوليسي دموي طوال اربعة عقود ، صرنا نعرف ان الشائعات علم، لا يسعى لاكتسابه الا من تمرس في دوائر الامن والاستخبارات ، وان من يعمل على ترويجها وكلاء أمن متخصصين يدعون مروجي الشائعات . وان الشائعة المدروسة قد تكون عبارة مقتضبة، لكنها تعمل على زلزلة قناعات شعب باكمله وهزه !
وقبلها نعرف ايضا ان الشائعات المدروسة هي من اسلحة الحروب، تستهدف زعزعة عقيدة او شجاعة الجيوش المتحاربة او شعوب الدول التي تخوض هذه الحروب. ..الا انها عندنا كانت وماتزال تستهدف الناس البسطاء المسالمين والحالمين بغد بلا خوف وحروب وموت..!
فقبل ايام قليلة انشرت شائعة مفادها ان طفلة ولدت في مدينة كربلاء( او الكاظمية في روايات اخرى !) تكلمت في مهدها فقالت عبارة واحدة هي : ضعوا الحناء لاطفالكم دون سن 14 سنة فبعد ايام ستأتي عاصفة ترابية ستميت كل طفل لم يحنّ...! ،ثم تكمل الشائعة قصة هذه الطفلة بموتها بعد ساعات قليلة من ولادتها ...
الطفلة ماتت، لكن عبارتها المزعومة بقيت وانتشرت مثل النار في الهشيم خصوصا في المناطق الشعبية التي يستشري فيها البؤس والفقر والجهل، وصار كل من يسمعها يخبر بها اهله وجاره وصديقه واقربائه فضلا عن تناقلها بين الاطفال انفسهم. وراحت الامهات والجدّات يعجنّ الحناء ويلطخن بها رؤوس الاطفال وايديهم، وتبرعت اخريات بتوزيعها على بيوت الجيران ، فالقضية ليست لعباً وان العاصفة الترابية هذه المرة تريد ان تستهدف الاجمل والاكثر براءة في حياتنا ، فلذات اكبادنا !!
وعندما يتعلق الامر بالاطفال، فأن الامهات يكنّ مستعدات لعمل اي شيء من اجل ان لا يمسهم مكروه. فما بالك ان كان امرا هينا مثل تلطيخ الطفل ببعض الحناء لدفع البلاء، حتى وان كان بعض التفكير البسيط يؤدي الى ان لا علاقة بين اضرار العواصف الترابية التي صارت زادنا الاسبوعي وبين صبغة نباتية الا من حيث ان الاثنان يصبغان ما يقعان عليه باللون البرتقالي المحمر !
ثم كيف يمكن لعاصفة عمياء لا يقف في طريقها باب موصد او شباك محكم من ان تصل حتى ابعد زاوية في بيوتنا ، ان تميز بين طفل صغير او راشد او شيخ كبير، او بين طفل دُمغ بالحناء من اخر لم يُدمغ ؟! ، حتى ان فكرنا انها تحمل جرثومة مرض يتأثر به الاطفال دون غيرهم فماذا تفعل الحناء لدفع هذا الوباء ؟! بل لماذا تستهدف هذه العاصفة المسبوقة بنبوءة والموجهه ، الاطفال الابرياء تحديداً دون غيرهم، ومن علمها ان تمنع اذاها عن المفسدين والمرتشين والمتصارعين على المناصب وما وراء ذلك من نهب لاموال وثروات الشعب واطفاله ؟!
الا اذا كانت عاصفة "النبوءة" هذه من النوع الارهابي، فعندها فقط يمكن ان يعقل ان ستستهدف الاطفال الابرياء كما كانت العمليات الارهابية والسيارت المفخخة تستهدف الابرياء والبسطاء والكادحين المسالمين !!
شائعة الحناء انتهت، وقد قامت عدد من الفضائيات العراقية بتكذيب قصتها، دون ان يخفى على الكثير آثار مطلقيها واهدافهم، ويبقى سؤال : اذا كان هناك من يمتلك القدرة على اطلاق شائعة يمكن ان تصل الى غاية وتحقق هدف، فلماذا لا توجه وتصاغ ضد اعداء هذا الشعب وعلى رأسهم المتنفذين المفسدين، والمتصارعين على السلطة ونهب المال العام علّهم يرتدعون ولو قليلاً.. ام انهم محصنين حتى ضد الشائعات ؟؟!!
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat