صفحة الكاتب : عزيز الحافظ

روح تتنورس بهاءا
عزيز الحافظ
كانت الجدران الكونكريتة تغلف كل ما يلي كتفها الذي يحوز على دقة حجميته و تكوره البهي ، على نظرات أعبق وأسمى وأبهى وألسع وأوسع من حجم كتلة الخراسانات المجاورة المستديرة التي تحيطها بهندسيةمتناثرة الابعاد! فغموق شعرها الغجري المجنون المسافر تطايرا.. أشد حلكة من منظر صمت الكونكريت السجني... القاتم تقف كل يوم عند طرف قمة ذاك المثلث الشارعي الشاعري بطلعتها الأخاذة...كل يوم أراها تقف في نفس المكان تتبوأ قمة مثلث لاقاعدة له بسبب إلتوائية الشارع  المفترق وأفعوانيته ولكن بشموخها السطوعي وتموجيتها تثير سخط المثلث نفسه !مع سكون  جسدها المكتنز واضطراب الناظرين يوميا كانت تنتصر حتى بسكونها الجارف إغراءا..على  وحشة المكان المنفردة العزف فيه بلامنازع. تمرّ عليها باصات المهمومين و ركابها يوميا يشرأبون بأعناقهم لزاويتها الخاصة  ومنتجعها الوقتي وعمودها الدائم في صحيفتنا اليومية العينية المجانية المطالعة  والتحديق التحسري.
 
كل يوم بزي كعادة الموظفات لاتتفنن بأزيائها خارج الموضية التداولية ولا بهدوئها الوقوفي اليومي فقد كان أسطع منه شموخها والتفاتتها لمقدم باصها الذي لم نراه أبدا لنعرف وجهتها يوما ما.. لم يكن يجاورها الا خضرة الحديقة التي على جسدها تقف ولم يكن يحاورها الاهسيسنا اليومي وتحسراتنا المكظومة التي يوميا لاتحتاج للتجديد والتنهيد بل نسوّقها مجانيا في نفس الزمن ونفس المكان وعلى نفس تلك الكتلة اللحمية البهية النقاء الزاهية الملامح و الشاهقةالسطوع و الباسقة الطلوع. تألفها الشبكيات حتى والاعناق خجلى من الالتفات أمام نظرات صامتة حانقة لموظفاتنا في الباص ترتسم محياها في وجوههن حتى بعد مغادرة موقع متحفنا الشهير يوميا.يوما ما كان الزحام شديدا ومن غير المألوف ،لم نتبين في العيون الصامتة قبل الأفواه إلا التساؤل المكتوم والغموض المكبوت .. لقد تأخرنا على زمن رؤيتها... فلم نعد نفكر في زمن وصولنا مقرات العمل الرتيب ولكن صفارات البوليس أعطتنا انطباعا جديدا إننا اليوم لن نراها... ترجل الشرطة لينظموا حركة السيارات المضطرب وينسل من بعضها ركاب يهرعون ويسارعون لمنطقة مثلث الرغبة المعروف دون ان نعرف السبب.. زاد قلقنا.... بُعد المسافة يطويها الحياء من الترجل والانتظار صار كزمن القيامة.. توقف السير تماما لنزول أكثر الركاب والسواقين من السيارات حولنا أنتفض البعض منا وفتح باب الباص مترجلا ؟ لنسأل ما أ لأمر؟ كانت مُبررة ومبرورة تلك إقدامته الشجاعة لكسر حصار التساؤل المُحتضن صمتنا المريبومدعاة لنا للتسلل بالأثر بعده رويدا ثم ككرة ثلج متدحرجة, تسللنا نحن رجال الباص مسرعين للتجمع الغريب، الأرض تُطوى تحت لهفتنا، الناس متحلقة حول شيء ما مغطى في حديقة بهجتنا تحجبه أجساد المتطفلين والفضوليين فلم نعد نسمع حواراتهم .. هل معقول ان تكون هي ضجيعة أرضها ؟ محال علينا التصديق بل التفكير؟ نسأل من؟ الشرطة وهم يمنعون بلاجدوى الناس من التجمع والفضول؟ المبهورون؟ المتسائلون؟ اما نحن فعرفنا الحقيقة والجثة مغطاة ببدائية، من حذاء لها كان نسغه الجلدي ملفوفا على ساقيها بطريقة التسلق النباتي! لقد حفظنا دروسها اليومية على ظهر الغيب! إنها هي وعلى نفس موقع تعذيبنا اليومي ولكنها اليوم مضطجعة لاشامخة القامة الهيفاء! لقد طار نورسنا للأبد انه جثة هامدة لم نعرف السبب هل صدمتها سيارة؟ هل أودت بحياتها عبوة؟ هل  قُتلت؟ لامجيب عن هل !!! ولكننا لم نسأل الموت لان منجله الحصود الحقود قطع اليوم رقبة نورسنا دون أن نعي كيف! لادموع..فهي تأبى الاغرراق بغربة نورسنا.. لاتقمص حزائني نرتديه هي غريبة.. فقط بهرنا الانذهال الكتيم .. عدنا للباص مسرعين... تلهفت  النساء للاستقصاء.. لم يجرؤ أحد على إخبارهن.. فقط كانت الائيماءات والحشرجة تُجيب تساؤلهن الشامت؟! 
 
من يجرؤ على إخبارهن ان الممتطية زهو خضار الأرض اليومي ونضارة العشب الندي هي نفسها قامة شموخنا اللدود؟ مضرجة بدمها ولكن جميعهن عرفن الجواب فقد ارتسم على محيانا اللجيني التفاوتي! فمنهن تبسمن بمكر ومنهن تنهد وعاد الصمت يغزو المقل والوجوه.. فتحت سيارة الإسعاف الطريق لنا حملوا الجثة المسعفين بداخلها بسرعة رحيق الورود المعفّر بشذاها الغائب الابدي ونحن نشيع الأبصار بسيارة الإسعاف التي تطايرت صفاراتها في كل صوب مبعثرة توافقنا وسكوننا ومن بعيد أرسلت الأحزان أجوبتها لنا في شراع سفينة ترتدي آزياء دموع كتومة فقد كان نورس روحها يتمايل جذلا مع صمتنا المطبق كيف سيكون اليوم دوامنا وصاعقة رحيلها ورعد مغادرتها وبرق فراقها الأبدي لازال يدق  أجراسه بطنين ليس له رقم ديسبل؟
  
 
      

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عزيز الحافظ
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/12/11



كتابة تعليق لموضوع : روح تتنورس بهاءا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net