صفحة الكاتب : علي فضيله الشمري

لقاء مع الشاعر والقاص طه الزرباطي
علي فضيله الشمري

 حاوره/علي فضيلةالشمري

كانت الولادة تحت يافطة الجغرافيا الغبية التي رسمتها عنجهية من تجاوزوا قيم الأنسانية ؛مثلما تجاوزوا قيم الأسلام، والوطنية،والتي يدفع المواطن ثمنها حتى قبل أن يولد ، كما دفعت النخيل والأنهار والبيوت ، أثمان وقوعها في الجغرافيا الغبية هذه . بالأمس كانت زرباطية مدينة منفى لذلك حرمتها كل الحكومات من جميع الخدمات لتكون منفى فعليا ،وقد فصلها هور الشويجة عن واسط وبغداد ، أمعانا في التهميش  ، لكن المبعدين السياسيين حملوا الكثير من العرفان لسكانها لأنهم وجدوا اهليهم الوادعين في مدينة تتآخى فيها النخل والجبل ،مدينة دائرية محاطة ببساتين النخيل والحمضيات ، سكانها تفاعلوا مع السياسيين المنفيين من كل أطياف الشعب العراقي ،وتعاطف المنفيون معها وشكلت جزءا من ذكرياتهم الأليفة ، مثلما تغنى ملا عبود الكرخي طويلا بكرم سكانها وكرم طبيعتها، وقد وجدت السياسة دروبا في عقول وضمائر تمتلك من الوطنية البكر الكثير ، وخلقت مواقف دفع السكان أثمانها مضاعفة ولليوم ، لأننا لم ننصف ضحايانا ، حتى الضحايا أنفسهم لم يتآزروا . ثنائية النخل والجبل وثنائيات الوطن شكلت جمالا غير عادي جعلت منها ((أناء الذهب )) بعد هذه المقدمة توجهنا إلى طه الزرباطي بمحاورتنا التي شملت مايأتي : ــ
* اين كانت ولادتك ؟
#ولدت في زرباطية  في الثامن من شباط عام 1963وهذا التاريخ مفارقة في أرقام المفارقات السياسية والأنقلابات مدفوعة الثمن .
سؤال : ــ هل تدخلت البيئة والعامل السياسي في خصوصية طه الزرباطي ؟
 المحيط يرسم الخطوط العريضة لحياة المبدع ، جئنا في ريعان الرفض السياسي ، وقد كرر على مسامعنا العدو الذي فصل مقاسات الوطن كما تفرضه عنجهيته وعنصريته، ولأنا ولدنا دون رأي منا على الحدود الملتهبة ، كنت شاهدا على مذبحة النخيل ، وعلى الغاء مجاري الأنهار بل ردمها كليا، وكنت شاهدا على فصل الزوجة عن زوجها وأطفالها ، لذلك توزعت قبورنا على المعمورة نصرت سياسيا دون أنتماء فعلي ، أناقش ، وأعارض ، وأتفاعل ، ويقتلني اليأس متيقنا من غد هذا الوطن ، وقد هيأ ابواي كل وسائل الحياة لوحيدهم المدلل ، وفروا لي حيزا من الحرية ، وجوا يصلح للقراءة ، وقد جاء الشعر مبكرا جدا ، وقد كان خليطا من العامية والفصحى ، والكوردية أيضا ، الا أن القراءات المتنوعة والتي جاءت هكذا صدفة حسب ما يتوفر من المصدر المقروء ، لذلك بدأت من دارون وأصل الأنواع ، ثم مترجمات الأدب الروسي والفرنسي والأنكليزي فضلا عن الأدب العربي الكبير ولاحقا أدب أمريكا اللاتينية ، فلا غرابة أن تتنوع قراءاتي لتتشكل من مؤلفات السيد الشهيد محمد باقر الصدر وكارل ماركس في ذات الوقت ، لذلك جاءت ارهاصات الشعر مبكرا جدا ، حملت هما فكريا متجاوزة الحدود الذاتية والرومانسية ، وبانت ارهاصاته ،عوالمه الفريدة ، أخيلته ، وجنوحه ، والتحسس المفرط المؤلم والجميل في وقت واحد ، في حضن طبيعة زرباطية بين بساتين النخليل والرمان والحمضيات وبين أجمات العليق والبرتقال ، والنهر الرائع الذي يمشط جدائل المدينة ويقسمها ألى ((صوبين)) ، وكان لاحقا لتشجيع مدرسي متوسطة زرباطية وثانوية بدرة فضلا كبيرا خاصة الروائي هشام توفيق الركابي الذي كان يؤشر على قصصي بأنها صالحة للنشر ((لورغبت )) وكان يعرض نتاجي بين المدرسين حتى تعاملوا معي كزميل و ليس كطالب كانت القصة الأولى عن الحرب أعني حرب الثماني سنوات البغيضة وهي وصمة عار في تأريخنا الحديث بحجم المأسي التي حققته ، وكنت في تماس يومي مع الحرب بعد أن ذبحت مدينتنا من الوريد ألى الوريد أ ذبحوا النخيل والحمضيات ، ردموا الأنهار بأسم الدفاع عن البوابة الشرقية التي خلعوها ، البوابة التي لم تخن الوطن ولم تمنحه لأحد وتاريخ زرباطية وأهلها وثيقة للحفاظ على شرف وسمعة وخيرات العراق ، لهذا سكنت المعارك قصصي وكذلك السجون والتعذيب والألغاء ، والتهميش ، والعنصرية البغيضة ، القصة الأولى المؤشرة كانت رفضا مبكرا لكل حرب ، وفضحا للدمار شطروا نشرها في صحيفة الجمهورية وأن تدخل مسابقة القصة القصيرة شريطة تغيير نهايتها كي تمتدح الحرب ، فرفضت وكان الصمت طويلا وأليما حتي سقوط السلطة فقد نشرت القصة ذاتها في 2004 في صحيفة التآخي وهكذا توالت القصص والقصائد في معظم صحفنا الرئيسة .
سؤال ماهي مساحة عملك ، وخصوصيتها في الموضوع الأبداعي ؟
 المخاض المذكور شكل شخصية وضمير ووطنية الزرباطي اضافة لسنوات الصمت الألم ، تجلت عن بكلوريوس في اللغة العربية دون تعيين لأسباب معروفة ، كذلك رواية من المؤمل نشرها قريبا تحت عنوان ((الحصاد )) كذلك مخطوطة الأمل  رواية أيضا ومجموعتين في القصة القصيرة الأولى ((عودة الدمى )) تحت الطبع ، ومجموعة العابر الليلي ،ومجموعة شعرية تغطي ثلاثين عاما ، ومسرحيتين من فصل واحد ، ودراستين في علم الجمال والفلسفة الفيثاغورية ،ودراستين في الأدب العربي كانت الأولى فكرة دراسة ماجستير لم أنلها للأسباب المذكورة آنفا ، ونشر أكثر من أربعين نصا بين الشعر والقصة القصيرة ة والمقالة الأدبية  ،في الصحف العراقية بعد السقوط فضلا عن صفحات الأنترنيت ، مع أني طرقت كل أبواب العمل ولم تستطع الحكومة الجديدة بكل جلالة قدرها أن توفر لي ولغيري من الأدباء مصدرا للعمل يساهم في فتح بيت ! طغت علي الخصوصية العراقية التي ميزت تاريخ العراق وهي تنوع وثراء أهل العراق ، تناولت الهم العراقي لكافة مكوناته العريقة مصدر الأبداع والفكر ، ضد الذين يقسموننا شيعة وسنة كوردا وعربا ، ومندائيين ، وكلدوآشوريين ومسيحيين و.......و....و....،الآ ان همنا عراقي واحد كأمة متنوعة توحدها العراق الواحد صاحب التأريخ ، فالخصوصية عراقية قبل كل شيء ثم تندرج الخصوصيات القومية والتراثية واللغوية .
سؤال: ــ لكل مرحلة جيل أدبي ، أين تضع نفسك بين الأجيال ألأدبية ؟
 المجايلة موضوع معقد يتحمل الكثير من الأخذ والرد ، خاصة في الساحة الأدبية العراقية ،بسبب الأوضاع السياسية الملمح عن جزء منها في سياق الحديث ،لأنني كنت أملك نصوصا في الشعر والنثر كانت صالحة للنشر لو تآخت مع السلطة ، بينما جعلها موقفي أدبا معارضا حتى قبل العرض ، أقوال هل كنت أستطيع أن أوقع أسمي ((الزرباطي )) وهل كنت أستطيع أن أرفض الحرب ، وكيف أتخلص من مديح السلطة المعضلة الأكبر ، لذلك أقدم فكرة الألتزام الأنساني والفكري للأديب في تقييمي للنص خاصة في البيئة العراقية السابقة . كما كتبت بعض النصوص الصالحة ومنذ المرحلة المتوسطة ، لكنني نشرت بعد السقوط كما ذكرت فالمجايلة هكذا ستفلسف حسب الموقف من كل ما ذكر .
سؤال:ـــ بمن تأثر الزرباطي ؟
 يقال ان الأدب تناص مستمر بمعنى  أن الأديب لا يستطيع الغاء خزينه القرائي ،ولأن خزيني متنوع لذلك تأثرت بكل ما مر علي ، حتى أذا أخذ التأثر شكلا سلبيا ،أي الأختلاف جزئيا أو كليا مع النص المقروء ، أو التوافق معه ، في الشعر مثلا أميل كثيرا ألي أبي العلاء ، والمتنبي ,و محمود درويش ، وشيركوبي كس ، وحافظ شيرازي ، وبابلونيرودا ، ولوركا .
سؤال :ــ تشغل قصيدة النثر حيزا في الساحة الشعرية،مارأيك في قصيدة النثر ؟
قصيدة النثر ظاهرة أوجدتها الحاجة، أو تطور القيم الشعرية والفكرية ،مثلما أوجدت الحاجة الأنسانية المسرح والشعر ، والرواية ،والقصة القصيرة ، وعولمة النظام المعلوماتي الألكتروني الأن ، وهذه حاجة نمط التطور الذهني الذي يفترض أولوياته التي قد تواجه بعض الرفض للذين تعودوا نمطية معينة ، ليس من السهل الأنقلاب عليها ، كما حصل مع الأنبياء والرسل ومع العلماء ، لذلك ــ ومع تعلقي وكتابتي بالعروض العربية ــ أميل للنثر بأعتباره الوعاء الأكثر سعة لأحتواء الأفكار والأرهاصات والقيم الفكرية ، وأجد أن الأدب يتوجه ألى تمازج الأنواع الأدبية وتداخلها شريطة نضوج النص ، وأحتواء مكنونات السبق الأدبي والريادة .
 سؤال : ــ كيف تؤكد وظيفة الرموز الأخلاقية ولماذا ؟
نعم اؤكد على وظيفة القيم والرموز الأخلاقية للأديب ..لذلك أخترت الصمت ،لخمسة وعشرين عاما ، والنص المطروح شرط أبداعه بألتزام صاحبه ، بقيم أخلاقية وأعني عدم خضوع الأدب للبيع حسب قياسات وأهواء الآخرين ، ولاأعني أن يكون الأدب وعظيا ومملا .. وأعتقد أن الأدب صورة للحياة ، لذلك لابأس أن يتناول المراحل المتدنية من المجتمعات معتمدا الجرأة والصدق .
أخيــرا : ـــ أؤكد على عدم انصاف الضحايا في العراق حتى من قبل الضحايا انفسهم , مع مرور كل هذا الوقت الطويل من الأنتظار ..تعامل البعض مع الموضوع كسلعة، ومتمم لللياقة السياسية ، لذلك ضاعت حقوق الأغلبية المسحوقة ، وأخذ السارق الحقوق من جديد ، مبدلا  لباسه على مقاس الوضع الجديد ، يجب أن لا نخدع مرتين .
أتمنى صادقا ،أن نتجاوز هذه المحن وأن لاينصب اهتمامنا على القضايا الجانبية ، كما يخططون وراء الكواليس ، وأن نتعامل مع قضايانا بتجرد ووطنية صادقة لأننا جميعا لا نملك حلا آخر، وأتمنى نهضة ثقافية ذات طابع عراقي شامل يخص الجميع خاصة من همشناهم طوعا وكرها ، كما علينا أن نعتذر منهم لأنهم أهلنا اللذين لم ننصفهم من قبل ، بل كنا نستخف أحيانا بجروحهم ، فلا غرابة أن تجد مادحي الأمس هم ضحايا اليوم وهم في الصفق الأول ، وكأننا لانحترم حتى صبرالآخرين ، وجروحهم والتي ظلت تنزف لسنوات دون تزقف .
# كلمة أخيرة تقولها ؟
أشكر جهودكم الصادقة في خدمة الأنسان والكلمة التي تتحدث عن العراق ومأسيه وقصصه التي تعتبر أستمرارا وصدى لستة قرون من الحضارة ،ومن الحب والألم العراقي الذي ميزنا.
 
                                                         

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي فضيله الشمري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/10


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • إنصاف الإمام الحسن المجتبى عليه السلام   (المقالات)

    • معهد تراث الانبياء خدمات جليلة تقدم في مجال التقنيات الالكترونية بدعم ومباركة من العتبة العباسية  (ثقافات)

    • اصدار كتاب جديد بعنوان القوات المسلحة سيقان بلا اقدام للواء المتقاعد قحطان حسن جبر التميمي  (قراءة في كتاب )

    • صناعة نظارة ذكية لعلاج الصداع الاعتيادي وداء الشقيقة في تربية واسط   (نشاطات )

    • ديوان الوقف الشيعي يقيم ملتقى الطف العلمي والثقافي الدولي التاسع بالتعاون مع الجامعة المستنصرية  (نشاطات )



كتابة تعليق لموضوع : لقاء مع الشاعر والقاص طه الزرباطي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : صالح الطائي ، في 2012/05/10 .

تحية حب وتقدير وعرفان للإعلامي النشيط علي الشمري وهو يتابع المعلومة في كل الفضاءات غير آبه لما يعترض طريقه من عقبات
وتحية حب وتقدير للأديب الرائع والشاعر الجميل طه الزرباطي الذي لا يدخر وسعا في تطوير ملكته الأدبية ولا يألوا جهدا في متابعة الجديدة والمثمر في دنيا الأدب ولذا تراه يغوص في بحار المعرفة دونما وجل من عائق ليكتب القصة والأقصوصة والرواية والخاطرة، ةيوظف باقي وقته ليدير الندوات الثقافية التي ربما يكون هو الذي أجهد النفس في سبيل انعقادها ولم شمل المستمعين
بوركت جهود الإعلاميين والأدباء الخيرة من أجل الخير للعراق




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net