انا الملازم زكي الذي لم يعدو غزالا بعين امه فقط وانما اصبح غزالا ايضا في عيون اخرى منها عيون ام احسان وصديقي جاسم حسوني وربما اكون ذات يوم غزالا بعيون ( اسليمه ) او فضيله او وفاء ابنتي ام احسان اضافة لبعض الجنود الذي رأوا في الملازم زكي امر فصيل مختلف رغم كونه من ( احبال المضيف ) كما يدل لقبه .. اعترف ان لعبة الحرب لها اصول تنتمي جميعها لمنطق الفنتازيا فالموت مجاني ولايعرف العدالة او التسلسل المنطقي او المساواة والضابط وهو القائد المفترض يختبأ خلف الجندي بدلا من التقدم امامه والقيادة دائما بالخلف والكذب مباح بكل اشكاله واول من يمارسه القيادة العامة ومن ثم القادة الميدانيون كبارا وصغارا ثم الجنود ويبقى القائد العام اكبر الكذابين والجميع ظاهرا يحبون القائد ويصفقون له لكن قلوبهم تمتلىء بالبغضاء والحقد وحب الخلاص منه ومن محارق الحروب التي يسعرها كل يوم .. انا الملازم زكي احب رتبة الملازم التي رفعتني من مصاف الجنود المغضوب عليهم المشكوك باخلاصهم الى درجة ( الرعيان ) السادة في زمنهم حتى عدني البعض منهم خصوصا وان هوية الاحوال المدنية تثبت اني من مواليد صلاح الدين / بيجي وهذه نعمة في هذا الزمن لايقدر قيمتها من لايتمتع بمزاياها في حين لم يرى اسلافي مكانا ابعد من الناصرية والبصرة ولم يغادر اغلبهم الشطرة وكان صفوك الشمران الذي خدم في سلك الشرطة لمدة 35 عاما وحصل على رتبة عريف قبل تقاعده بسنتين هو الوحيد الذي شذ عن القاعدة وخدم وعاش في بيجي وبغداد ولازال يتذكر بحسرة قرار مديرية الشرطة العامة احالته على التقاعد وذهابه الى المعاون والبكاء بحضرته واخباره بأن عريف صفوك الشمران قادر على الخدمة على الاقل لسنتين او ثلاثة قادمة وانه لايريد التقاعد وشجعته على ذلك ام زكي التي تشبهت بالحضريات ولبست حجول فضة واصبح لها مصاغ ومخشلات وكانت تتصور ان المطرب البدوي يقصدها باغنيته التي يقول فيها ..
( خطف ريم الحماده وزار عينه
وحسدت الميل لمن زار عينه
شفت عود القرنفل زارعينه
حدر فيي التراجي والرقاب )
وكانت ام زكي عندما تزور اهلها بالشطرة تملأ بهداياها الصرر وتطلق عليها اخواتها وبنات عمومتها ( المسعده ام حجول ) في حين يجرح كبريائها اخوها الكبير دائما عندما يناديها ( مرة الشرطي ) متجاهلا ( خيوط ) صفوك الثلاث وكان لام زكي صديقات ومعارف من نساء شرطة ومفوضين وموظفين من خلال تنقل زوجها بين مراكز الشرطة ومديرياتها والسكن بالمدن المختلفة وكانت تدعي امامهن انها ( بنت شيوخ ) ولو لم يكن ابو زكي ابن عمها لما زوجوها له وكان من الممكن ان تكون زوجة شيخ ثم تردف وتقول ( ياالله اشبيه الشرطي ) تقول ذلك وهي تعلم بقرارة نفسها ان صفوك الشمران الشرطي كان انقاذا لها من السماء اذ لولاه لما اختلفت عن بقية اخواتها وكانت اليوم زوجة لفلاح من اقاربها يذيقها الويل ويفرغ برأسها كل غضب السركال والشيخ وقلة المحصول وضيق ذات اليد والعوز وعناد الارض وخيبات الليالي وقهر الاقطاع وتقضي نهارها بين الارض والمواشي وفي الليل تجلس للرحى وتطحن الحبوب على صوت الرحى ونواعيها .. ماتنسمع رحاي بس ايدي اتدير اطحن بقايا الروح موش اطحن شعير
واستذكار خيباتها اضافة للوازم واحتياجات البيت من حطب وماء ورعاية اطفال واعتناء بالبقرة ان وجدت ولولا قليل من الحظ لربما كانت ام ( روبة ) بدلا من ام الملازم زكي ومع ان جمالها لايشار له بالبنان ولاتلتوي الاعناق نحوها عند تمر ذاهبة الى السوق ولم يسمعها احدهم اغنية حضيري ابو عزيز ..
( طلعت من الوشاش يعنيد ييابه يبه يبرج حجلها
من دون الاحديثات يعنيد ييابه يبه شايب رجلها
ياهي التبدل اوياي يعنيد ييابه يبه رجلي برجلها
ونعيره بالميزان يعنيد ييابه يبه والزايد الها )
ولم تكن ( بنت المعيدي ) الا اني الملازم زكي ومعي العريف صفوك الشمران نراها اجمل غزال وقعت عليه عيوننا . رغم ان ( اسليمه ) تعتبر منافس خطر على عيني ورؤيتها الغزلانية وقد تدخل المنافسة احدى بنات ام احسان.
. اهلا زكي مشتاقين صار شهر لم اراك وبالمناسبة سمعنا خبر عن طريق ام زكي مو من بيانات القيادة العامة قالت فيه : انك استطعت اسر عشرة جنود لوحدك وراح يكرموك .
. اهلا محسن .. مشتاقلك والله وصلت ليلة امس وانا مقرر زيارتكم اليوم او غدا حتى اسلم على الوالد والوالده ..
. ارجوك زكي مابقى شيء رجاء اكمل حتى اتصير ( على الوالده والوالد وعلى العزيز القائد ) وبعدين فرصة تعال غدا ونتغدى ( زوري ) ولو خاف ما ترهم بعد ما صرت ملازم ومقاتل ويجوز تطلق حكمه - مثل عمك - تقول ( الضباط لايأكلون الزوري ) .
. لاتنسى يامحسن اني لم اكن سوى ضابط احتياط والوالد عريف الشرطة صفوك وليس وزير الداخلية فأتقي الله يارجل .
. مادام الملازم زكي بهالتواضع فالدعوة غدا في بيتنا على غداء زوري محترم قائمة واليوم ابلغ ( اسليمه ) حتى ترتب غداء ملوكي من الزوري على وكت .
. والله والنعم الكرم الكم ولاهلكم .
. على فكرة عباس وصل مجاز وماجد وحسين وصادق ايضا موجودين وقد يجمعنا الزوري على سفرته غدا اذا ما التقينا اليوم ليلا .. لكن قل لي يا زكي انت بالكلية استطعت التملص ولم تنتمي للحزب وقال وقتها عنك مسؤول اللجنة الاتحادية انك ( نص اردان ) لكن بالجيش اشلون راح اتدبرها خصوصا وانت ملازم .
. يامحسن ياصديقي في الجبهة لايوجد حزب ولاتنظيم ولاهم يحزنون بمعنى ادق لايتذكرون الحزب الا في فترات الاستراحة وهدوء الجبهة ليحكموا من خلاله سيطرتهم وفي كل وحدة مسؤول حزبي تميزه بدلته النظيفة ومسدسه المتدلي من نطاقه ودفاتره وقدرته الفائقة على الكذب والنفاق وعادة ما يختفي عند سماع صوت قذيفة في اقرب موضع آمن بعيد والضباط كذلك يتكلمون بأسم الحزب والقائد يوم تتراخى قبضتهم او يحسون انهم لايشكلون شيئا اما عموم الجنود فهم يسخرون منهم ويعرفون انهم كذابون ولكنهم يلوذون بالصمت خوفا من التقارير والوشايات وقدرة الحزبيين في المناطق السكنية والمدن على الحاق الاذى بذوي الجنود ومع ذلك تتصاعد ارقام الجنود الهاربين من الجبهة وانا احاول مداراة وضعي وبطريقة اخرى فانا تكريتي كما تعرف وهذا كافي لدفع الشك عني وعنوان ولاء للقائد والحزب اضافة لكوني ضابط حيث يتصور الجميع ان لااحد يصبح ضابطا مالم يكن حزبيا ويوم تضيق الامور فهناك حتما في طياتها فرج .
. زكي انت الان على اعتاب الثامنة والعشرين ووضعك مستقر الا تفكر بالزواج ؟.
. ياصديقي انا يشغلني هذا الموضوع بقوة ولااخفيك سرا اذا قلت لك ان مشاعري تجاه فتاة من زقاقنا لكني غير متأكد من مشاعرها نحوي وقد تحمل الايام القادمة ما يكفي من الوضوح للتحرك بهذا الاتجاه او غيره وقد يكون البديل البصرة .
. لماذا انت متشائم ؟.. هل كلمتها او ارسلت لها رسالة او شخص من طرفك يعرض عليها رغبتك بالزواج منها ؟.
. لااريد استباق الاحداث ولي رغبة بمحادثتها وجها لوجه وعرض رغبتي بالزواج منها وهناك الكثير من الفرص للتحدث اليها في الايام القادمة .
. اذا صارت القسمة واتفقتم تأكد من موقف اهلها لان زواجك لايتم الا بموافقة ادارة الضباط وقد يكون مؤشر من قبل الحزب على عائلتها .
.ههههههه اعطني عائلة واحدة من زقاقنا لايوجد عليها مؤشر .. ابسط مؤشر علينا اننا ( شروكيه ) او قادمين من الهند او فرس وغير موالين للحزب والثوره هل تريد بعد مؤشرات ؟.
لا.. لا عفوا لا اقصد المؤشرات الاعتيادية التي تعايشنا معها وانما اقصد ان يكون لها قريب سجين سياسي او شتم الريس او لها من هرب خارج العراق او منتمي لحزب اخر .
. محسن .. بس خل توافق هي وطز بكل مؤشراتهم .
. يبين عليك واكع بالحب ومحد يدري بيك ؟
. المشكلة حتى هي لاتعلم مدى حبي لها ولو كانت الامور ماشيه وياي عدل كان غنيت الها ( كون السلف ينشال .. شلته اعلا راسي .. وخذته العصر مشاي لام قلب جاسي ) .
. غدا على الغداء اشرح قضيتك واجندلك الجميع .
. ارجوك محسن اريد هذا الكلام يبقى سرا الى ان اتكلم معها .
. امرك بس متى ما احتجت لي انا بخدمتك .
. انت خير اخ وخير صديق وخير عون واحتاجك بالايام القادمة حتما .
. انا بخدمتك .. وداعا.
. مع السلامة صديقي .
أيه يازكي .. هذا محسن اخو ( اسليمه ) متحمس لكن هل سيبقى على حماسه لو عرف اني احب اخته ومستعد للزواج منها حتى اذا رفضت ادارة الضباط .
ظل زكي واقفا مكانه قرب باب البيت يراقب المارين ويرد على تحياتهم واسلئتهم عن صحته وعن الجبهة والحرب وحال الجنود وظلم الضباط واخذهم الرشاوي حتى اقبلت ( اسليمه ) تحمل حقيبتها وهي عائدة من المدرسة فحيته بخبث قائلة :
. اشلونك عمو زكي .. اشلون صحتك .. شو محد يشوفك هالايام ؟.
. اشتعل ابو الخلفك ما كو اكبر من عمو ؟ .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat