أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (٢٠)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر

{إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ}.
لا يُمكِنُ أَن نتصوَّر نجاحاً من دونِ اختبارٍ.
هذهِ القاعدة تسري على الإِنسان الفَرد والإِنسان الجَماعة.
ولقد قصَّ لنا القُرآن الكريم عدداً من هذهِ النَّماذج وعلى المُستويَينِ، الفَرد والجَماعة [الأُمَّة].
والمُلاحظ في كُلِّ نُموذجٍ هو أَنَّ طبيعة كُلِّ اختبارٍ تعتمد على الغَرض منهُ، فإِذا كانَ لاختبار القوَّة تكُونُ طبيعتهُ بهذا المَعنى، وإِذا كانَ لاختبارِ الإِيمان بالله تعالى أَوالثِّقة بالرَّسول والنَّبي أَو اليقين بقُدرةِ السَّماء، فإِنَّ طبيعة كُلِّ اختبارٍ تعتمد على هذهِ المعاني والأَهداف.
وعلى العمُوم فإِذا كانَ الإِختبارُ فرديّاً فالهدَف منهُ هو صقل شخصيَّة الإِنسان أَمَّا إِذا كانَ الإِختبارُ للجماعةِ [الأُمَّة] فالهدفُ منهُ هو صَقل شخصيَّة المُجتمع والأُمَّةوحجمِ ثقتِها بنفسِها.
فمِن نماذِج إِختبار الإِنسان المُجتنع قولهُ تعالى عن قصَّة طالُوت وجالُوت، وهي من القَصص التي تحمِل الكثير من العِبر والدُّروس {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّاللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَاالْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ففي هذا النُّموذج نُلاحظ أَنَّ الجماعة هُنا مرَّت في [٣] إِختبارات مُتتالِية ثبتَت فيها مجمُوعة وسقطت أُخرى إِلى أَن تمَّت تصفية صفُوف الجَماعة مِن كُلِّ عناصرالضَّعف سواء على مُستوى الثِّقة بالقائدِ أَو اليقينِ بالمَبدأ أَو الإِيمانِ المُطلقِ بالمُهمَّةِ التي انتُدِبت لها الجماعة مِن أَجلِ تحقيقِها وإِنجازِها.
النُّموذج الثَّاني هي قصَّة نبيَّ الله مُوسى (ع) مع بني إِسرائيل والتي مرَّ عليها القُرآن الكريم في أَكثر من سُورةٍ وفي عدَّة مجمُوعات من الآيات الكريمة، لأَهميَّتها ولِمافيها من درُوسٍ وعِبر عظِيمة نحتاجَها اليَوم وفي كُلِّ يومٍ إِذا أَردنا أَن نتجنَّب الفشَل خاصَّةً العقَدي وعلى مُستوى العِلاقة معَ الله تعالى.
يقولُ عزَّ مَن قائل {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
هذا جانبٌ من القصَّة، فعندما تبدأ العِلاقة بين الأُمَّة والقائِد بالتَّشكيك والإِتِّهام وعدم الثِّقة، فكيفَ يا تُرى ستكُون نِهاية هذهِ العِلاقة؟! وكيفَ سيُكمِّل القائِد في هذهِالحالةِ مسيرتهِ مع الأُمَّة؟!.
إِنَّها أَحد أَخطر الإِختبارات التي تمرُّ بِها الأُمم على مرِّ التَّاريخ، وهوَ الإِختبارُ الذي سقطَت فيهِ الأُمَّة معَ أَميرِ المُؤمنِينَ (ع) بعدَ رحيلِ رسُولِ الله (ص).
ومازِلنا نُعاني، كمُجتمعٍ، من هذا الإِختبار وهوَ الأَقسى من بينِها.
أَمَّا من نماذجِ إِختبارِ الإِنسانِ الفرد فلعلَّ قصَّة زَوجة الطَّاغيةِ فرعَون واحدةٌ من القصَص التي يلزَم أَن نقِف عندَها كثيراً، فكيفَ تمكَّنت إِمرأَة مُؤمِنة أَن تواجِهَ لوحدِهاظرُوف القَصر الملكي وتحدِّياتهِ وإِغراءاتهِ لترتفعَ إِلى المكانةِ العظيمةِ التي مكَّنتها مِن أَن يذكرَها القُرآن الكريم كنمُوذجٍ؟!.
هيَ قصَّةٌ برسمِ الَّذينَ يتصوَّرُونَ أَنَّ اليدَ الواحِدة لا تُصفِّق وشِعارهُم [وهَل هيَ بقيَت عليَّ؟!].
يقولُ تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
كما أَنَّ نموذَج أَصحاب الكهف قصَّة تحدِّي أُخرى مرَّت على فِتيةٍ مرُّوا بالاختبارٍ فنجحُوا.
يقولُ تعالى {نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
ولعلَّ واحدةٌ من أَهم الإِختبارات التي يُعاني منها الإِنسان الفَرد والإِنسان المُجتمع هو إِختبار المصداقيَّة، والتي تتجلَّى عادةً في تطابقِ القَول مع العَمل والخِطاب معالفعلِ والإِنجاز.
يقولُ تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
ويقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَأَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ}.
إِنَّهُ إِختبارٌ لقياسِ درجة النِّفاق وازدواجِ الشخصيَّة عندَ الفردِ وعندَ المُجتمع، وهو المرَض الذي يُنتج كُلَّ المآسي التي تمرُّ بها الأُمم.
وهوَ المرَض الذي أُصيبت بهِ الأُمَّة وهي تتعامَل مع أَهلِ البيتِ (ع) فأَنتجت مُعاناة أَميرِ المُؤمنينَ (ع) وبعدهُ الحسَن السِّبط (ع) وتالياً عاشوراء، وما أَدراكَ ماعاشوراء؟!.
يصِفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) ذلكَ بقَولهِ {لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي مَاأَحَبَّنِي وَذَلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ (ص) أَنَّهُ قَالَ يَا عَلِيُّ لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ}.
ومازالَ مُجتمعنا يُعاني منهُ ليصطفَّ بهِ في ذيلِ المُجتمعات!.
ويتعقَّد فحوى هذا الإِختبار حسبَ موقِع المسؤُوليَّة الذي يشغلهُ المرء، حتَّى يصِلَ إِلى الذَّروة في حالتَينِ؛ التصدِّي للتَّربيةِ والتَّعليمِ والتَّبليغِ والتصدِّي السِّياسي.
يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ وَمُعَلِّمُ
نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ}.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat