بلاغة الإمام علي (عليه السلام) وأثرُها في لسان العرب
د . حسين لفته حافظ
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حسين لفته حافظ

مركز دراسات الكوفة/ جامعة الكوفة
احتلّ نهج البلاغة مكانة عظيمة في نفوس المسلمين, نظراً لبلاغته العالية, ولا عجب، فمؤلف النهج سيد البلغاء, وقد شهد له الداني والقاصي بهذه البلاغة المؤثرة, وابن منظور واحد من العلماء الذين تأثروا بنهج البلاغة، ويظهر هذا التأثر واضحاً في كثرة ما اقتبسه من أحاديث للإمام علي(ع)، وقد ضمّنها في معجمه المشهور المسمّى(لسان العرب), ولم يكتفِ بذلك، إنما راح يحلل هذه الأحاديث ليقف على المكامن البلاغية فيها, فشخّص لنا صوراً رائعة من الفنون البلاغية، أذكر منها حديثه عن الاستعارة الواردة في كلام الإمام, وحديثه عن الكناية نحو قوله:
(وقول عليّ عليه السلام: ليست له يد أَي لا حُجَّة له، وقيل: معناه لَقِيَه وهو منقطع السَّبَب، يدلُّ عليه قوله: القرآنُ سَبَبٌ بيدِ الله وسَبَبٌ بأَيديكم، فَمن نَسِيه فقد قَطع سَبَبَه؛ وقال الخطابي: معنى الحديث ما ذهب إليه ابن الأَعرابي، وهو أن من نَسِيَ القرآن لقي الله تعالى خاليَ اليد من الخير، صِفْرَها من الثواب، فكنّى باليد عمّا تحويه وتشتمل عليه من الخير، قال ابن الأثير: وفي تخصيص حديث عليّ بذكْر اليَدِ معنى ليس في حديث نسيان القرآن؛ لأن البَيْعَة تُباشِرُها اليد من بين سائر الأعضاء، وهو أن يَضَع المُبايِعُ يده في يد الإمام عند عقد البَيْعة وأَخذِها عليه؛ ومنه الحديث: كل خُطْبة ليس فيها شَهادة كاليد الجَذْماء: أي المقطوعة).
ولعل السبب الذي دفع صاحب لسان العرب إلى الاهتمام بهذا الفن هو تميّز الخطابة عند الإمام علي(ع)، إذ نجد أن الخطابة قد أخذت أسلوباً متميّزاً جديداً، واكتسبت معنى اصطلاحياً متكاملاً، إذ تتمثل لنا ذروة البيان العربي بعد الرسول الأعظم(ص) عند الإمام(ع)، ولذلك أسباب وعوامل ذاتية وسياسية وتاريخية ونفسية اقترنت بالإمام علي(ع).
فضلا عن هذا أورد صاحب اللسان أحاديث للإمام(ع) عن التشبيه وفنونه, وعن المجاز وأنواعه، سواء المرسل منه أم العقلي, وتحاول هذه المقالة أن تسلط الضوء على تلك الأحاديث مع الإشارة إلى موقعها في النهج, وتحليلها تحليلاً فنياً يتماشى ومضمون منهج الدراسة الفني، والحديث عن نهج البلاغة لا تسعه المجلدات، فكيف بهذا المختصر، فنكتفي بهذا القدر.
ومن كتاب له(ع) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وكان عامله على البصرة، وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها، فمضى إليها قوله: (أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الألْوَانُ، وتُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ، ومَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ، وغَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ، فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ، فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ، ومَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ، أَلا وإِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ ويَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، ومِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ، أَلا وإِنَّكُمْ لا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، ولَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ واجْتِهَادٍ وعِفَّةٍ وسَدَادٍ).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat